السحر وتدوينهم يعلمون الناس السحر يقصدون به إغواءهم وإضلالهم؛ (وقد انطوت القصّة) أي احتوت واشتملت قصة هاروت وماروت (على شنع) بضم المعجمة وفتح النون أي قبائح (عظيمة وها) للتنبيه (نحن نخبّر) بضم نون وفتح مهملة وكسر موحدة مشددة أي نحسن (في ذلك) القول من العبارات (ما يكشف غطاء هذه الإشكالات) أي ما يرفع حجابها ويزيل نقابها (إن شاء الله فاختلف) أي فاختلفوا (أوّلا في هاروت وماروت هل هما ملكا) بفتح اللام وهو الصحيح (أو إنسيّان) أي منسوبان إلى الإنس أي آدميان ويمكن الجمع بأنهما كانا ملكين وتشكلا بصورة رجلين، (وهل هما) أي هاروت وماروت (المراد بالملكين) في آية وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ وهو الصحيح (أم لا) وهذا مما لا يلتفت إليه أصلا، (وهل القراءة ملكين) بفتح لامها كما في القراءة المتواترة التي اتفق عليها القراء السبعة والعشرة (أو ملكين) بكسرها كما في قراءة شاذة وهما كانا ببابل أنزل عليهما السحر ولا معنى للاختلاف فيهما إذ الرواية الشاذة الغير المعتبرة لا تقاوم القراءة المتواترة على أنه يمكن الجمع بينهما بأنهما ملكان في أصلهما نزل على صورة ملكين حاكمين في عهدهما، (وهل ما في قوله تعالى وَما أُنْزِلَ [البقرة: ١٠٢] ) أي على الملكين (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ [البقرة: ١٠٢] نافية) فيهما فيكون عطفا على ما كفر أي وما كفر سليمان ولا أنزل على الملكين أي جبريل وميكائيل فإن سحرة اليهود زعموا أن السحر أنزل على لسانهما إلى سليمان فردهم الله به (أو موجبة) أي ثابتة موصولة معطوفة على السحر على الصحيح والمراد بهما واحد والعطف لتغاير الاعتبار أو يراد به نوع أقوى منه أي ويعلمونهم ما الهما أو معطوفة على ما تتلوا قال البيضاوي وهما ملكان انزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله تعالى للناس وتمييزا بينه وبين المعجزة وإذا عرفت هذا الاختلاف إجماعا فاعلم ما يبين لك المصنف تفصيلا (فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بالملكين) بفتح اللام (لتعليم السّحر وتبيينه) في مقام تعيينه (وأن علمه) أي تعلمه وفي نسخة عَمَلَهُ (كُفْرٌ، فَمَنْ تَعَلَّمَهُ كَفَرَ، وَمَنْ تَرَكَهُ آمن) بمد الهمزة أي دام على إيمانه ولم يكفر ولا يبعد أن يكون بفتح الهمزة وكسر الميم أي أمن من الوقوع في الكفر واعلم أن استعمال السحر كفر عند أبي حنيفة ومالك وأحمد وعند الشافعي استعماله من الكبائر إذا لم يعتقد جوازه ولم يكن في السحر ما يوجب الكفر وظاهر الآية يؤيد إطلاق قول الأئمة الثلاثة حيث؛ (قال الله تعالى خبرا عنهما وما يعلمان من أحد حتى يقولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [الْبَقَرَةِ: ١٠٢] وَتَعْلِيمُهُمَا النّاس له) مبتدأ خبره (تعليم إنذار) أي تخويف وانكار (أي يقولان لمن جاء يطلب تعلّمه منهما لا تفعلوا) وفي نسخة لا تفعل (كذا) أي لا تتعلمه (فإنّه يفرّق بين المرء وزوجه) أي هو سبب للتفريق بينهما بإيجاد الله عنده البغض والنشوز في قلوبهما فالسحر له بنفسه أثر يحدثه الله عند تعاطيه وقد لا يحدثه بدليل قوله تعالى وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (ولا تتخيّلوا) بخاء معجمة من التخيل وفي نسخة لا تخيلوا من التخييل من باب التفعيل وهو ظن الشيء على خلاف ما هو