عليه الصلاة والسلام مبين لأحكام الإسلام (وإذا أمرتكم بشيء من رأيي) وفي رواية من رأي أي في أمر دنياكم مما ليس له تعلق بأمر دينكم وآخرتكم (فإنّما أنا بشر) مثلكم فقد أصيب وقد اخطئ فالأمر فيه مخير لكم (وفي رواية أنس) وفي نسخة رواية أنس أي لمسلم عنه (أنتم أعلم بأمر دنياكم) إن اردتم تبعتموني وإن أردتم اخترتم رأيكم (وفي حديث آخر) رواه مسلم عن طلحة (إنّما ظننت ظنّا فلا تؤاخذوني بالظّنّ) إن لم يكن مطابقا لظنكم وموافقا لرأيكم هذا وعندي أنه عليه الصلاة والسلام أصاب في ذلك الظن ولو ثبتوا على كلامه لفاقوا في الفن ولارتفع عنهم كلفة المعالجة فإنما وقع التغير بحسب جريان العادة ألا ترى أن من تعود بأكل شيء أو شربه يتفقده في وقته وإذا لم يجده يتغير عن حالته فلو صبروا على نقصان سنة أو سنتين لرجع النخيل إلى حاله الأول وربما أنه كان يزيد على قدره المعول وفي القضية إشارة إلى التوكل وعدم المبالغة في الأسباب وقد غفل عنها أرباب المعالجة من الأصحاب والله تعالى اعلم بالصواب (وفي حديث ابن عبّاس) رضي الله تعالى عنهما كما رواه البزار بسند حسن (في قصّة الخرص) بفتح الخاء المعجمة فراء ساكنة فصاد مهملة هو الحرز والتقدير لما على الشجر من الرطب تمرا ومن العنب زبيبا أي تخمينه ظنا والقصة ما روي عن أبي حميد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخرصوها فخرصناها وخرص رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عشرة أوسق وقال لها احصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى إلى قوله ثم اقبلنا حتى قدمنا وادي القرى فسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ تمرها قالت عشرة أوسق (فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إنّما أنا بشر) وفي كلام جنسهم خطر (فما حدّثتكم عن الله تعالى) أي وحيه جليا أو خفيا (فهو حقّ) أي صوابه دائما (وما قلت فيه) أي من أمور الدنيا (من قبل نفسي) أي مما خطر لي (فإنّما أنا بشر أخطىء وأصيب وهذا) وارد (على ما قرّرناه) آنفا من أنه عليه الصلاة والسلام قد يعتقد الشيء من أمور الدنيا على وجه ويظهر خلافه كذا قرره الدلجي على طبق ما حرره القاضي ولكن فيه أنه لم يعتقده بل ظنه كما يدل عليه قوله (فِيمَا قَالَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي أُمُورِ الدّنيا وظنّه من أحوالها) الجارية على منوال أفعال أهلها في منالها (لا ما قاله من قبل نفسه) جزما مع أنه جاء مطابقا لما قاله حزما (واجتهاده في شرع شرعه) أي أظهره وبينه عزما (وسنّة) وفي نسخة أو سنة (سنّها) أي طريقة اخترعها لحديث أبي داود عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم مثل ما حرم الله تعالى إلا لا يحل الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه (وكما حكى