لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه (الآية) أي نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ والحاصل أن يوسف لم يكن ليتمكن من حبس أخيه في حكم الملك لولا ما كدنا له بلطفنا حتى وجد السبيل إلى ذلك وهو ما أجري على ألسنة الأخوة أن جزاء السراق الاسترقاق فحصل مراد يوسف بمشيئة الخلاق (فإذا كان) الأمر (كذلك فلا اعتراض به) أي فيه هنالك (كان فيه ما فيه) بدل من قوله فلا اعتراض به جواب لا ذا أي والذي فيه هو أنه كيف يجوز أن يأمر الله تعالى به ولا يبعد أن يكون التقدير فإذا كان ذلك بإذن الله تعالى وتعليمه هنالك فلا اعتراض به على أي وجه كان فيه مما وقع فيه ثم رأيت الأنطاكي قال يعني أي شيء كان بعد أن يكون ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى لأن الملك ملكه وما فيه عبيده وإماؤه وللمالك أن يتصرف في ملكه ما يشاء، (وأيضا) يمكن أن يقال في دفع الإشكال (فَإِنَّ يُوسُفَ كَانَ أَعْلَمَ أَخَاهُ بِأَنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) أي لا تحزن (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بنا فيما مضى فإن الله تعالى قد أحسن إلينا وجمعنا بخير وتفضل علينا ونعم ما قيل:
كما أحسن الله فيما مضى ... كذلك يحسن فيما بقي
وروي أنه قال ليوسف بعد ما اعلمه أنا أخوك فأنا لا أفارقك فقال لقد علمت اغتمام والدي بي فإذا حبستك ازداد غمه ثم لا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يجمل في حقك فقال لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني أدس صاعي في رحلك ثم يقال إنك سرقته ليتأتى لي ردك إلي بعد تسريحك معهم قال فأفعل ولله در القائل:
فليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فاختبرني
(فَكَانَ مَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا مِنْ وفقه) أي وفق مرافقته وفي نسخة وفقته (ورغبته) أي ميله في إقامته (وعلى) أي وكان على (يقين من عقبى الخير له به) أي لبنيامين بسبب يوسف (وإزاحة السّوء) بضم السين وفتحها والإزاحة بالزاء أي إزالة الشر (والمضّرة عنه بذلك) التوفيق؛ (وأمّا قوله سبحانه وتعالى) حكاية (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي أصحاب الإبل ذات الاحمال من الطعام والأثقال (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف: ٧٠] ) أي في ظننا (فليس من قول يوسف) بل من مناديه (فيلزم) أي فلا يلزم (عليه جواب يحلّ شبهه) أي يزيلها وفي نسخة لحل شبهه أي لفك عقده (ولعلّ قائله إن حسّن له التّأويل) بصيغة المجهول مشدد السين أي أن صحح (كائنا من كان) أي بأمر يوسف أو غيره (ظنّ على صورة الحال ذلك) كما يقتضي المقال هنالك (وقد قيل قال ذلك) بأمر يوسف هنالك (لفعلهم قبل) أي قبل ذلك (بيوسف) فإنه كان سرقه في المعنى من أبيه ومكيدة في حق ابنه (وبيعهم له) حيث قال تعالى وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ أي باعه إخوته أو اشتراه السيارة من إخوته قولان للمفسرين وقد أغرب الدلجي حيث قال بعد قوله وبيعهم له وفيه ما فيه لأنهم لم يسرقوا بل ذهبوا به