خرج النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم من مكّة) أي مهاجرا إلى المدينة، (وبقي فيها من بقي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَزَلَ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: ٣٣] ) وهو إما بمعنى وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر من المؤمنين ممن تخلف عن رسول الله من المستطيعين أو بمعنى نفي الاستغفار أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم وعن الحسن أن الآية منسوخة بقوله تعالى وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ والظاهر أن لا تنافي بينهما إذ النفي منصب على عذاب الاستئصال والإثبات محمول على غيره من الاسر والقتل وأنواع الخزي والنكال قال المنجاني وهذا التأويل قال به جماعة من المفسرين منهم ابن عباس والضحاك ومقتضاه أن الضمير في قوله سبحانه وتعالى معذبهم عائد على كفار مكة والضمير في قوله تعالى وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ عائد على المؤمنين الباقين بمكة بعد رسول صلى الله تعالى عليه وسلم أي وما كان الله ليعذب الكافرين والمؤمنون يستغفرون بينهم فتكون الآية على هذا نحوا من قوله تعالى وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ الآية وقوله تعالى لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا الآية أيضا وعلى هذا التأويل فالمؤمنون مفهومون من سياق الكلام وإلا فلم يتقدم لهم ذكر في الآية وأما التأويل الثاني الذي ذكر القاضي في هذه الآية بقوله. (وَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا [الْفَتْحِ: ٢٥] الآية) أي وما ذكر مما دل على إمهالهم وتأخير العذاب في آجالهم لأجل من فيها من المؤمنين وتحسين أفعالهم وأقوالهم مثل قوله سبحانه وتعالى لَوْ تَزَيَّلُوا أي لو تفرقوا وتميز المؤمنون من الكافرين لعذبنا الذين كفروا منهم أي من أهل مكة عذابا أليما بالقتل والأسر. (وقوله) أي ومثل قوله تعالى (وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ [الفتح: ٢٥] الآية) أي ونساء مؤمنات بمكة لم تعلموهم أي بأعيانهم لاختلاطهم بأهل كفرهم وطغيانهم أن تطؤوهم بدل اشتمال من رجال ونساء أو من ضمير هم في تعلموهم أي أن تدوسوهم فتهلكوهم ومنه الحديث آخر وطأة وطأها الله بعرج واد بالطائف فتصيبكم منهم معرة من عره إذا غشيه بمكروه أي فيغشاكم من جهتهم مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتعيير الكفار لكم به والإثم بتقصيركم في البحث عنهم بغير علم حال أي أن تطؤهم غير عالمين بهم وجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه والمعنى لولا كراهة أن تهلكوا مؤمنين ومؤمنات بين أظهر الكفار جاهلين به فيصيبهم مكروه بإهلاكهم لما كف أيديكم عنهم وقوله تعالى لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ علة لما دل عليه كف الأيدي عنهم صونا لمن فيها من المؤمنين أي كان ذلك لأجل أن يدخل الله في رحمته من يشاء من مؤمنيهم أو مشركيهم أو منهما بتوفيقه للإسلام أو لزيادة الخير والإنعام (فلمّا هاجر المؤمنون) أي من مكة (نَزَلَتْ وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ [الْأَنْفَالِ: ٣٤] ) أي وما يمنع من تعذيبهم بعد أن فارقتهم والمؤمنون وكيف لا يعذبون وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن اولياءة إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون (وهذا) أي ما ذكر في دلالة الآية على تأخير العذاب عنهم وهو فيهم (من أبين ما يظهر