يكون من جملة الكرامة كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً فإن العلم اللدني في العرف اللغوي ما يحصل للأمي من غير كسب ظاهر في الآدمي (فسبحان من باين أمره) أي غاير أمر النبي (مِنْ أَمْرِ غَيْرِهِ وَجَعَلَ شَرَفَهُ فِيمَا فِيهِ محطّة سواه) أي محل خفض قدر غيره (وَجَعَلَ حَيَاتَهُ فِيمَا فِيهِ هَلَاكُ مَنْ عَدَاهُ) أي من سواه من أرباب الأرواح وأصحاب الأشباح (وهذا شقّ قلبه) أي صدره مرة بعد مرة في حقه (وإخراج حشوته) بضم الحاء المهملة وتكسر وسكون الشين المعجمة وأصله ما في جوف الشيء مما هو محشو به كالإمعاء والكرش وسائر الأشياء والمراد بها هنا علقة سوداء كما رواه البخاري كانت حظا للشيطان وتعلقا له بها في مقام وسوسة الإنسان فإن شقه وإخراجها (كان تمام حياته) ونظام صفاته (وغاية قوّة نفسه) ونهاية قوة أنسه (وثبات روعه) بضم الراء أي قلبه حال خوفه وروعه ولله در من قال:
اقتلوني يا ثقاتي ... إن في موتي حياتي
ولبعض أرباب الحال موتوا قبل أن تموتوا (وهو) على ما في نسخة أي شقه وإخراجها (فيمن سواه منتهى هلاكه) أي غاية أسباب هلاكه (وحتم موته) بالحاء المهملة أي وجوب وقوعه (وفنائه) والمعنى أنه نهاية علة موته وأفنائه (وهلمّ جرّا) أي وهكذا الأمر مستمرا (إِلَى سَائِرِ مَا رُوِيَ مِنْ أَخْبَارِهِ وَسِيَرِهِ) المؤذنة بآثاره وأسراره (ومآثره) أي مفاخرة ومكارمه التي تؤثر عنه (وتقلّله) أي طلب قلته ووري تبلغه أي طلب بلاغه وزاده إلى معاده (من الدّنيا) زاهدا فيها لا اضطرارا عنها (ومن الملبس) الناعم (والمطعم) اللذيذ (والمركب) المزين (وتواضعه) مع الخلق مع كمال ترفعه عند الحق عملا بقوله من تواضع لله رفعه الله رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (ومهنته) بفتح الميم وتكسر على ما ذكره التلمساني وأبو زيد فلا يلتفت إلى نفي الأصمعي والزمخشري فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ أي خدمته (نفسه في أموره) المحتاج إليها (وخدمة بيته) تهوينا على أهله وخدمه (زهدا) في الملك والملك والجاه المعد للهلك وقد سئل الزهري عن الزهد فقال هو أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره (ورغبة عن الدّنيا) أي اعراضا عنها لسرعة فنائها وقلة بقائها وكثرة عنائها وخسة شركائها وقد ورد لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقي كافرا منها شربة ماء رواه الترمذي عن سهل بن سعد (وتسوية بين حقيرها وخطيرها) أي عظيمها من قليلها وكثيرها (لسرعة فناء أمورها) وبقاء شرورها (وتقلّب أحوالها) وتغير أرباب أموالها ونعم المقول:
فلا تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول
(كلّ هذا) الذي ذكرناه (من فضائله) أي بعض شمائله (ومآثره) أي مكارمه التي تؤثر وتروى من مفاخره (وشرفه) أي طرفه وتحفه (كما ذكرناه) فيما سبق من محله ومجمل الكلام