للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباطل لأهل الفساد أو لم يكن من الفقهاء الذين يقدرون على تأويل الأخبار بل ممن يبقى على ظاهر ما ورد من الآثار والحاصل أنه كره التحديث مالك بأمثال ذلك في مجالس العامة لا التحديث المطلق المترتب عليه كتم العلم بالخاصة كما بسطنا هذه القضية في الخطبة قال القاضي المؤلف (وليت النّاس وافقوه) أي مالكا (عَلَى تَرْكِ الْحَدِيثِ بِهَا وَسَاعَدُوهُ عَلَى طَيِّهَا) أي عاونوه على طيء ذكرها في مجلس العامة (فأكثرها ليس تحته عمل) يحتاج إليه جمهور الخلق وحمله الدلجي على كراهة مطلق التحديث بها رواية وكتابة فقال هذه دعوى بلا بينة ومن ثمة لم يوافقه أحد كراهة التحديث بها إذ لم يقله عليه الصلاة والسلام لأصحابه عبثا ولا أخبر به عن ربه ليترك سدى مع أنه يلزم من كراهة التحديث بها كراهة تعليم الناس متشابه القرآن والتلاوة مع أمره عليه الصلاة والسلام بقوله (بلغوا ولو آية) وإنما ورد في الكتاب والسنة بعض المتشابهات ابتلاء للراسخين في العلم على قدم الثبات قلت اختار مالك سد باب الذريعة للمهالك العامة في ذلك كما وقع لسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه مع أبي هريرة حيث أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يروي عنه عليه الصلاة والسلام أن من يشهد ان لا إله إلا الله حرمه الله على النار ومنعه عمر لئلا يتكل الناس ويتركوا عمل الأبرار بسماع هذه الأخبار ووافقه سيد الأخيار وقال دعهم يعلموا هذا ولم يرد عن أحد من الأئمة جواز رواية مثل هذه الأحاديث في مجالس الجهلاء والسفهاء فلم يخالف مالك في هذه المسألة أحدا من العلماء بل ثبت عنهم منع العامي عن علم الكلام ودقائق الصوفية الكرام خوفا عليهم من تزلزل عقائدهم وعدم الانتقاع بفوائدهم (وقد حكي) بصيغة المجهول أي روي مثل ذلك (عن جماعة من السّلف بل عنه) أي عن السلف (على الجملة) أي من حيث مجموعهم لا جميعهم (أنّهم كانوا يكرهون الكلام) أي مع العوام (فيما ليس تحته عمل) من الاحكام مما يؤخذ منه حكم شرعي ينتفع به الأنام (والنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أوردها) أي أحاديثه (على قوم عرب) في كمال أدب (يفهمون كلام العرب على وجهه) بدون صرفه عن ظاهر عبارته إلا لموجب يدعو إليه من حمله على إشارته (وتصرّفاتهم في حقيقته) باستعمال اللفظ فيما وضع له بحسب أصله (ومجازه) باستعماله في غير ما وضع له بقرينة عقلية أو حالية (واستعارته) باستعارة حرف كما في قوله تعالى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي عليها أو فعل كما في ولما سكت عن موسى الغضب أي سكن وذهب (وبليغه) أي وبلاغته مما يطابق مقتضى الحال من فصاحته (وإيجازه) الجامع لقلة مبانيه وكثرة معانيه (فلم تكن في حقّهم مشكلة) أي لم توجد في الأحاديث بالنسبة إليهم كلمة مشكلة وجملة معضلة أو لم تكن هذه الأشياء المتقدمة في حقهم مشكلة موهمة لمعرفتهم بأساليب كلامهم وقوة إدراكهم وسرعة أفهامهم وفق مرامهم وهذا كله ببركة مجالسة نبي الأمة وكاشف الغمة (ثمّ جاء من غلبت عليه العجمة) بضم أوله أي اللكنة العجمية (وداخلته الأمّيّة) أي النسبة الجهولية والحالة الطفولية (فلا يكاد يفهم من مقاصد العرب) في مراصد الأدب (إلّا نصّها) أي ظاهرها لا تلويحها

<<  <  ج: ص:  >  >>