والنسائي في أماكن من مسنده انتهى كلام الحلبي وذكر التلمساني أن حديث السوداء هو أن رجلا ظاهر فلزمه الظهار فأتى بأمة سوداء فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا تجزئك حتى تعرف أنها مؤمنة قال سلها يا رسول الله فسألها فقال لها أين الله فأشارت إلى السماء فقال أعتقها فإنها مؤمنة وهو حديث رواه أبو داود والنسائي ومالك انتهى وكأن إشارتها إلى السماء إيماء بأن الله هو الذي خلقها أو أنه ليس بآلهة الأرض أو هو الموصوف بأنه إله في السماء أي معبود فيها فاكتفى بهذا التوحيد الإجمالي على كونها مؤمنة لكن يشكل بسؤاله عليه الصلاة والسلام حيث قال أين الله ولعله كوشف له عليه الصلاة والسلام بأنها لا تعرف الإله إلا بهذا الوصف ولعل القائلين بجهة العلو لله سبحانه وتعالى تمسكوا بظاهر هذا الحديث وأمثاله والمحققون أنه تعالى منزه عن المكان والزمان وأما قوله تعالى وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ فمعناه أنه هو المستحق لأن يعبد فيهما لا غير كقوله تعالى وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ (وبحديث القائل لئن قدر الله عليّ) بتخفيف الدال وجاء في صحيح البخاري أن قائله كان نباشا من كلام عقبة بن عمر الصحابي والحديث رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن قول القائل لبنيه عند موته أحرقوني ثم انظروا يوما راحا أي ذا ريح شديدة فاذروني فيه فوالله لئن قدر الله علي والرواية بتخفيف الدال من القدرة لا كما قال التلمساني قدر بشدد من التقدير ويخفف بمعنى ضيق فإنه لو كان المروي كذلك لما كان إشكال هنالك (وفي رواية عنه) أي عن القائل وفي نسخة فيه أي في الحديث وهو كذا في تفسير ابن أبي حاتم (لعلّي أضلّ الله) بفتح الهمزة والضاد وتكسر ورفع اللام المشددة أي أفوته ويخفى عليه مكاني وقيل لعلي أغيب من عذاب الله تعالى من ضللت الشيء وضللته إذا جعلته في مكان ولم تدر أين هو وضل الناسي إذا غاب عنه حفظ الشيء ومنه قوله تعالى أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي خفينا وغبنا والمعنى أضل عنه أي أخفي وأغيب منه على أن من باب نزع الخافض وإيصال الفعل فيكون جاهلا بكمال علمه سبحانه وتعالى (ثمّ قال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (فغفر الله له) أي مع كون كلامه مشعرا بنفي القدرة في الصورة المقدرة والمعنى فغفر الله له لعذره بجهله على أن قدر جاء بمعنى ضيق كما في قوله تعالى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ومعنى الرواية الثانية أغيب عن عذاب الله تعالى لكن لا يخفى بعد هذه التأويلات عن قوله أحرقوني وسائر المقالات والله تعالى اعلم بالحالات وتمام الحديث على ما في الصحيح قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات فعلوا ما أمرهم فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له (قالوا) أي هؤلاء العلماء (ولو بوحث