أكثر النّاس عن الصّفات) أي فتشوا عن معرفتها (وكوشفوا عنها) أي طلب منهم الكشف عن بيانها (لما وجد من يعلمها إلّا الأقلّ) من القليل، (وقد أجاب الآخر) أي من العلماء الأولين (عن هذا الحديث بوجوه) خمسة (منها أنّ قدر) مخففا (بمعنى قدّر) مشددا أي حكم وقضى (ولا) وفي نسخة فلا (يَكُونُ شَكُّهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى إِحْيَائِهِ بَلْ فِي نَفْسِ الْبَعْثِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إِلَّا بشرع) دون عقل وطبع (ولعلّه لم يكن وَرَدَ عِنْدَهُمْ بِهِ شَرْعٌ يُقْطَعُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ الشّكّ فيه حينئذ كفرا) وفيه أنه لو كان شاكا في بعثه لما أوصى بما يدل على كمال خوفه (فأمّا ما لم يرد به شرع) كالبعث (فهو من مجوّزات العقول) بتشديد الواو المفتوحة فلا كفر بالشك فيه لعدم العلم وبه وهذا لا يخفى بعده لإطباق الأنبياء والرسل على وجوب الإيمان باليوم الآخر ووعد الثواب ووعيد العقاب حتى قال الله تعالى لآدم ومن معه فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ نعم قد يقال إنه آمن إيمانا إجماليا وتقليدا عرفيا وما بلغه تفاصيل المؤمن به فوقع له الشك في وقوعه أو الوهم بدفع العذاب عنه على تقدير تصوره (أَوْ يَكُونُ قَدَرَ بِمَعْنَى ضَيَّقَ وَيَكُونُ مَا فعله بنفسه) من وصية بنيه بإحراقه (إزراء عليها) أي اهانة وتنقصا بها (وغضبا) عليها (لعصيانها) أو ظن أنه يتخلص بعذاب الدنيا من عقاب العقبى (وقيل إنّما قال ما قاله) وهو قوله لئن قدر الله على (وَهُوَ غَيْرُ عَاقِلٍ لِكَلَامِهِ وَلَا ضَابِطٍ لِلَفْظِهِ) أي لمؤدي مرامه (أي ممّا استولى عليه من الجزع) أي غلب عليه من شدة الفزع (والخشية الّتي أذهلت) وفي نسخة أذهبت (لبّه) أي اغفلت قبله وشغلت عقله (فلم يؤاخذ به) فيعد من خطئه في خطابه كقول من قال لربه في غاية من الفرح أنت عبدي وأنا ربك (وقيل كان هذا) القائل (في زمن الفترة) أي انقطاع الرسالة كما بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام فقيل ستمائة سنة وقيل خمسمائة وستون وقيل أربعون (وحيث ينفع مجرّد التّوحيد) كما في زمن الجاهلية وهو ما بين إسماعيل ونبينا عليهما الصلاة والسلام ولا يبعد أن يكون ممن نشأ بعيدا عن الخلق ولم تبلغه دعوة رسول الحق وعرف الله بعقله أو بالنظر في آيات الله من خلقه (وقيل بل هذا) القول (من مجاز كلام العرب) من أهل التدقيق (الّذي صورته الشّكّ ومعناه التّحقيق) ويقال له مزج الشك باليقين وعد منه قوله ولكن ليطمئن قلبي وأشار إلى ذلك العارف بن الفارض بقوله:
عليك بها صرفا وإن شئت مزجها ... فعدلك عن ظلم الحبيب هو الظلم
(وهو يسمّى) بصيغة المجهول مشددا ومخففا أي يدعي (تجاهل العارف وله أمثلة في كلامهم) أي العرب كقول بعضهم:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر
(وكقولهم) أو جهك هذا أم بدر مع علمهم بأن الوجه غير البدر للمبالغة في تحسين