القدر والمعروف أن هذا للدلالة على شدة الشبه بين المتناسبين فإن خلا سؤاله عما يعلمه من الشبه لم يكن تجاهلا كما في وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى بل هو استفهام تقرير أي حمل المخاطب على إقرار وتحرير نعم قد يحمل عليه قوله النسوة ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ أي كالملك في الصورة والعصمة على وجه المبالغة (كقوله تعالى) أي المنزل على وفاقهم اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: ٤٤] ) والمحققون على أن معناه لكي يتذكر أو كونا على رجاء أن يتذكر (وقوله) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤] ) والمحققون على أن هذا من ارخاء العنان مع الخصم في ميدان البيان ليتأمل ويتفكر حتى يظهر له البرهان في عالم العيان وإلا فكان صلى الله تعالى عليه وسلم يتيقن أنه على هداية والمخاطبون على ضلالة ونظيره قول حسان بن ثابت الأنصاري لأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه:
أتهجوه ولست له بكفؤ ... فشركما لخيركما فداء
فإنه لا شبهة أنه يريد بخيرهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذا وفي تمثيله بما أورده من الكتاب مع تسميته له بتجاهل العارف نوع تهاون في الآداب مع رب الأرباب ولو قال كما في المفتاح للسكاكي ويسمى مساق المعلوم مساق غيره لنكتة لكان أقرب إلى صوب الصواب (فأمّا من أثبت الوصف ونفى الصّفة) كالمعتزلة (فَقَالَ أَقُولُ عَالِمٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَمُتَكَلِّمٌ وَلَكِنْ لَا كَلَامَ لَهُ وَهَكَذَا فِي سائر الصّفات) كقادر ولا قدرة له ومريد ولا ارادة له وحي ولا حياة له وسميع ولا سمع له وبصير ولا بصر له (على مذهب المعتزلة) تحرزا عن تعدد القدماء فإنه كفر وهو مردود بأن الكفر إنما هو تعدد ذوات قدماء لا ذات واحدة مع صفات متعددة على أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الصفات لا عين الذات ولا غيرها (فمن قال بالمال) أي بأخذهم بالمرجع (لما يؤدّيه إليه قوله) أي قوله نافيها عالم ولا علم له (ويسوقه إليه مذهبه) من أنه يلزم من نفي العلم نفي الوصف بعالم على وجه برهاني كما سيأتي بيانه (كفّر) بتشديد الفاء أي كفره كما في نسخة وأما ما ضبط في بعض النسخ بفتح الكاف وتخفيف الفاء وكذا بصيغة المصدر فتصحيف وأما ما في بعض النسخ ممن بدل فمن فتحريف والصواب فمن جواب إما لا قوله فقال كما يتوهم والله أعلم (لِأَنَّهُ إِذَا نَفَى الْعِلْمَ انْتَفَى وَصْفُ عَالِمٍ) عن موصوفه ضرورة انتفاء الوصف بالمشتق بانتفاء المشتق منه (إِذْ لَا يُوصَفُ بِعَالِمٍ إِلَّا مَنْ لَهُ علم) إذ لا يعقل مثلا من العالم إلا من له العلم وله معلوم يتعلق به علمه ولا تنّافي بين كون العلم قديما وكون المعلوم حادثا كما قرر في محله اللائق به (فكأنّهم) أي المعتزلة (صرّحوا عنده) أي عند القائل بالمآل (بما أدّى إليه قولهم) من لزوم نفي الوصف بالمشتق لنفي المشتق منه (وهكذا) الحكم (عند هذا) القائل بالمآل (سائر فرق