(ممّا جمعه الدّفتان) بتشديد الفاء وهما ما يضمه من جانبيه (مِنْ أَوَّلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْفَاتِحَةِ: ٢] ) برفع الحمد على الحكاية ويجر بالكسر على الاعراب (إِلَى آخِرِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [النَّاسِ: ١] أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّهِ محمد صلى الله تعالى عليه وسلم) وفيه إيماء إلى أن تنكيس القرآن ليس سنة بل بدعة ولعله لم يذكر البسملة لأنها ليست من القرآن في مذهب مالك لكنه لا شك أنها مما بين الدفتين للإجماع على أن الصحابة كتبوا البسملة في أوائل كل السور إلا براءة ولهذا ذهب المحققون من ائمتنا الحنفية أنها آية من القرآن أنزلت للفصل ولا بدع أن يراد بالحمد لله رب العالمين سورة الفاتحة فتشمل البسملة الفاتحة ولكن يأباه أن الكلام في التكفير فالقدر المتعلق هو الذي بينه في مقام التقدير والأحاديث في باب البسملة متعارضة مع كونها آحادا فلا تفيد القطع وإنما توجب الظن ولهذا اختلف العلماء في مسألة البسملة والله سبحانه وتعالى اعلم (وأنّ جميع ما فيه حقّ) أي ثابت وصدق (وَأَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِكَ) النقص (أو بدّله بحرف آخر مكانه) ولو لم يغير شأنه (أَوْ زَادَ فِيهِ حَرْفًا مِمَّا لَمْ يَشْتَمِلْ عليه المصحف الّذي وقع عليه الإجماع) أي كتابة وقراءة (وأجمع) بصيغة المجهول وفي نسخة بصيغة الفاعل أي وجزم وعزم (على أنّه ليس من القرآن عامدا) أي لا سهوا ولا نسيانا (لكلّ هذا) الذي ذكر من النقصان والزيادة (أنه كافر) إلا القراآت الشاذة التي ثبتت في الجملة بحسب الرواية بشرط أن لا يلحقها بالمصاحف في الكتابة (ولهذا) الذي ذكرنا من أن جميع ما في القرآن حق (رَأَى مَالِكٌ قَتْلَ مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها بالفرية) أي الإفك (لأنّه خالف القرآن) أي بعضه النازل في براءة ساحة عائشة أن تكون فاحشة (ومن خالف القرآن) أي اعتقادا لا عملا (قتل أي لأنّه كذّب بما فيه) من آيات دالة على براءتها وإنما اكتفى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بحد القذف على قاذفيها لما صدر عنهم قبل براءة ساحتها فحينئذ لا وجه لتخصيص مالك فإن إجماع العلماء على ذلك، (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تعالى لم يكلّم موسى تكليما يقتل) لتكذيبه قوله تعالى فيه وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً وهذا مجمع عليه وإنما الكلام في معنى الكلام من النفسي وغيره بين أهل السنة والمعتزلة (وقاله) أي قال به ونص عليه أيضا (عبد الرّحمن بن مهديّ) من أصحاب الشافعي قال التلمساني مهدي مفعول وكره مالك التسمية بمهدي قال وما علمه بأنه مهدي وأباح التسمية بالهادي وقال لأن الهادي هو الذي يهدي الطريق انتهى ولا يخفى أن المهدي أيضا هو الذي يهدي إلى الطريق وما علمه بأنه هاد وليس بمهدي ومن أين له حمل المهدي على الهداية الشرعية وحمل الهادي على الدلالة اللغوية أو العرفية على أن الاسماء كلها تسمى على جهة التفاؤل والتبرك وإلا لما كان يصح لأحد أن يسمى محمودا ومحمدا وأحمدا ولا عليا ولا فاطمة ولا عائشة وأمثال ذلك (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونٍ فِيمَنْ قَالَ الْمُعَوِّذَتَانِ) بكسر الواو وتفتح وهما سورة الفلق والناس (لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يُضْرَبُ عُنُقُهُ إِلَّا أن يتوب) لنفيه لهما منه مع ثبوتهما في