للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرفوعا بلفظ مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ غَيْرَ مَرَّتَيْنِ كُلُّ ذَلِكَ يَحُولُ الله بيني وبين ما أريد ثم ما هممت بعدهما بشيء حتى أكرمني الله برسالته ورواه الحاكم في المستدرك في التوبة بلفظ ما هممت بقبيح مما هم به أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر كلتاهما بعصمني الله منها قلت ليلة لفتى من قريش كان بأعلى مكة يرعى غنما لأهله أبصر غنمي حتى أسمر هذه الليل كما يسمر الصبيان فجئت أدني دار من دور مكة فسمعت غناء وصوت دفوف ومزامير فقلت ما هذا فقيل فلان تزوج فلانة فلهوت بذلك الغناء وذلك الصوت حتى غلبتني عيناي فما ايقظني إلا حر الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال لي ما فعلت فأخبرته ثم فعلت الليلة الأخرى مثل ذلك فسمعت كما سمعت حتى غلبتني عيناي فما أيقظني إلا مس الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال لي ما فعلت فما قلت شيئا أي وذلك حياء قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما هممت غيرهما بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته وفيه تنبيه على أن هذا الهم إنما كان حال الصغر دون البلوغ كما يشير إليه قوله كما يسمر الصبيان وهذا أوفى دليل على قبح سماء اللهو وضرب الدف إلا ما شرع له خلافا لما يفعله الجهلة من الصوفية حيث يجمعون بين الإذكار وضرب الدفوف ونفخ المزمار حتى في مجالس المواليد ومزار قبور المشايخ الابرار والحاصل أن الأنبياء مخلوقون على المكارم الرضية ومجبولون على الشمائل البهية وأنه لا يضر في ذلك ما وقع لهم حال الصغر على سبيل الندرة (ثمّ يتمكّن الأمر لهم) أي يزداد (وتترادف) أي تتوالى وتتابع (نفحات الله تعالى) جمع نفحة أي عطياته ومعارفه وجذباته (عليهم وتشرق) من الإشراق أي تضيء (أنوار المعارف في قلوبهم) أي وآثار العوارف على صدورهم (حتّى يصلوا إلى الغاية) وفي نسخة إلى الغاية أي نهاية أرباب الهداية وأصحاب العناية (وَيَبْلُغُوا بِاصْطِفَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالنُّبُوَّةِ فِي تحصيل هذه الخصال الشّريفة النّهاية) بالنصب مفعول يبلغوا والمراد بها النهاية التي ما فوقها نهاية لكن كما قيل النهاية هي الرجوع إلى البداية فهم بين فناء وبقاء ومحو وصحو في مرتبة الكمال بين صفتي الجلال والجمال (دون ممارسة ولا رياضة) أي من غير معالجة وملازمة رياضة كسبية بل بخلقة جبلية وجذبة الهية (قال الله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي وصل موسى نهاية قوته وغاية نشأته من ثلاثين إلى أربعين سنة (استوى) أي استحكم عقله واستقام حاله بلغ أربعين سنة وهو سن بعث الأنبياء عليهم السلام غالبا في سنة الله وعادته سبحانه وتعالى (آتَيْناهُ حُكْماً) أي نبوة (وَعِلْماً [يوسف: ٢٢، القصص: ١٤] ) أي معرفة تامة وأبعد الدلجي في تفسيره الحكم بعلم الحكماء ثم في ترجيحه (وقد نجد) أي نصادف نحن (غيرهم) أي غير الأنبياء من العقلاء والحكماء والأولياء (يطبع على بعض هذه الأخلاق) أي الكريمة المستحسنة (دون جميعها) وفي أصل الدلجي دون بعضها (ويولد عليها) أي يولد بعضهم على تلك الأخلاق (فيسهل عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>