بسببها (فينتقم لله) أي لا لحظ نفسه (بها) بسبب حرمة الله ممن ارتكبها والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود كما أخرجه المصنف عن مالك في موطئه وفي رواية مسلم ما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله أي ما أصيب بأذى من أحد وعاقبه به انتصارا لنفسه لكن إذا بالغ في خرق شيء من محارم الله التي من جملتها حرمته انتصر لله وعاقبه له لا لنفسه فلم يكن انتقامه إلا لله لا لغرض سواه وإن كان فيه موافقة هواه لكن المدار على متابعة هذاه والحاصل أن في الحديث دلالة على كمال حلمه وعفوه وتحمل الأذى وترك الانتقام لنفسه مع مراعاة الله في حقه فهو الجامع بين فضله وعدله تخلقا بأخلاق ربه (وروي أنّ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لمّا كسرت) بصيغة المجهول أي انكسرت (رباعيته) على وزن الثمانية بفتح راء وكسر عين وتخفيف ياء تحتية وهي التي بين الثنية والناب وللإنسان ثنايا أربع ورباعيات أربع وأنياب أربعة وأضراس عشرون وقد كسرها عتبة بن أبي وقاص وهو أخو سعد بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فكسرت رباعيته يعني شطبت وذهبت منها فلقة (وشجّ وجهه) بصيغة المفعول شجه عبد الله بن شهاب الزهري كلاهما (يوم أحد شقّ ذلك) أي ما ذكر أو كل واحد منهما (على أصحابه شديدا) وفي نسخة شقا شديدا (وقالوا لو دعوت) أي الله (عليهم) أي بإنزال العقوبة إليهم (فقال إنّي لم أبعث لعّانا) أي صاحب لعن وطرد عن رحمة الله تعالى (ولكنّي بعثت داعيا) أي هاديا إلى الحق (ورحمة) للخلق كما قال تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون) أي ولا تؤاخذهم بما يجهلون والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان مرسلا وآخره موصولا وهو في الصحيح حكاية عن نبي ضربه قومه زاد ابن هشام في سيرته أنها ثنيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وأن ابن قميئة جرحه في وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته فنزعهما أبو عبيدة ابن الجراح حتى سقت ثنيته قال يعقوب بن عاصم فكان ابن قميئة هلك حتف أنفه أن سلط الله عليه كبشا فنطحه فقتله أو فألقاه من شاهق فمات وأما ابن شهاب فأسلم وأما عتبة ففي تهذيب النووي أن ابن منده عده من الصحابة وأنكره أبو نعيم إذ لم يذكره فيهم أحد قبله فالصحيح أنه لم يسلم قال السهيلي ولم يولد من نسله ولد فبلغ الحلم إلا وهو ابخر أو اهتم فعرف ذلك في عقبه وفي مستدرك الحاكم أنه لما فعل عتبة ما فعل جاء حاطب بن أبي بلتعة فقال يا رسول الله من فعل هذا بك فأشار إلى عتبة فتبعه حاطب حتى قتله فجاء بفرسه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفي تفسير عبد الرزاق بسنده إلى مقسم قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ودمى وجهه انتهى فإن قلت حديث عبد الرزاق في تفسيره يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعا على عتبة حين كسرها وهذا الحديث بظاهره يدل على ضده قلنا لا يلزم من دعائه عليه عدم دعائه على الجميع مع أن النفي قد يوجه لكثرة اللعن لا لأصله فكأنه قال لم أبعث كثير