(قالوا حدّثنا محمد بن عتاب) بفتح المهملة وتشديد المثناة الفوقية وآخره باء موحدة (أنبأنا) أي قال أخبرنا (أبو بكر بن واقد) بالفاء المكسورة أو القاف (القاضي وغيره) أي وغير أبي بكر (حدّثنا) أي قال حدثنا (أبو عيسى) أي الليثي واسمه يحيى بن عبيد الله بن أبي عيسى (حدّثنا) أي قالوا حدثنا (عبيد الله) يعني أباه (أنبأنا) أي قال أخبرنا (يحيى بن يحيى) لم يخرج له في الكتب الستة شيء والموطأ مشهور به وموطوؤه أصح الموطآت (أنبأنا) أي قال أخبرنا (مالك) أي ابن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي إمام المذهب قيل تابعي ولم يصح (عن ابن شهاب) أي الزهري (عن عروة) أي ابن الزبير بن العوام من الفقهاء السبعة بالمدينة كان يصوم الدهر ومات وهو صائم (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) كما رواه الشيخان وأبو داود أيضا عَنْهَا (قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) أي ما خيره الناس (في أمرين) أي في اختيار أحدهما (قطّ) أي أبدا (إلّا اختار أيسرهما) أي أهونهما على المخير أو أسهلهما عنده لأنه ورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم يسروا ولا تعسروا وأن هذا الدين يسر وقال الله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (ما لم يكن) أي الأيسر (إثما) أي ذا إثم (فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) أي تنزها واجتنابا فبالأولى أن لا يختاره ولو كان سهلا ففيه تلويح باستحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها فإن الله تعالى يحب أن يؤتى رخصه كما يجب أن يؤتى عزائمه وأما قول الدلجي بني خير لمفعوله وحذف فاعله تعويلا على ظاهر القرينة وإيذانا بعمومه إذ كان هو الله أو غيره فالله ما جعل له الخيرة في أمرين جائزين إلا اختار أيسرهما كاختياره حين قال له جبريل إن شئت جعلت عليهم أي على قريش الأخشبين بقاءهم بقوله دعني أنذر قومي رجاء أن يوحدوه أو يخرج من أصلابهم من يوحده فلا يخفى أنه غفلة منه عما في نفس الحديث ما لم يكن إثما إذ من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى أو جبريل عليه الصلاة والسلام لا يخيره بين أمرين يحتمل أن يكون أحدهما إثما ثم رأيت النووي ذكر عن القاضي أنه يحتمل أن يكون تخيره من الله فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فكان يختار الأيسر في هذا كله قال وأما قوله ما لم يكن إثما فيتصور إذا خيره الكفار أو المنافقون فأما إذا كان التخيير من الله أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعا انتهى ولا يخفى أن التخيير من المسلمين أيضا يتصور فيما لم يصل إلى بعضهم كونه إثما في الدين، (وما انتقم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لنفسه) أي ما انتصر ولم يعاقب أحدا لأجل خاصة نفسه ما بلغت به الكراهة حدا يورثه انتقاما من أحد على مكروه أتاه من قبله (إلّا أن تنتهك حرمة الله تعالى) بصيغة المجهول أي إلا أن يبالغ احد في خرق حرمة الله التي تتعلق بحقه سبحانه وتعالى أو بحق أحق من خلقه ومن جملته خرق حرمته صلى الله تعالى عليه وسلم على وجه يجب الانتقام من هاتكها والاستثناء منقطع أي لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله وانتقم له تعالى