للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنها خلاف الأولى لقوله سبحانه وتعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ كما حقق في قوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ومن هنا قالوا حسنات الأبرار سيئات الأحرار وهو في ذلك ممتثل لقوله تعالى فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (ولكن) وفي نسخة ولكنه (يعفو) أي يمحوها بالباطن (ويصفح) أي يعرض عن صاحبها بالظاهر أو يسامح عن الصغائر والكبائر مما ليس فيهما حق لأحد لقوله تعالى فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، (وقد حكي) بصيغة المفعول (مثل هذا الكلام) أي في نعت سيد الأنام عليه الصلاة والسلام (عن التّوراة من رواية ابن سلّام) بتخفيف اللام أحد الصحابة الكرام من علماء اليهود حيث دخل في الإسلام (وعبد الله بن عمرو بن العاص) أي ومن روايته أيضا وهو صحابي قرشي كان يطالع كتب العلماء الأعلام وقد جاء في رواية أنه رأى في منامه أن في إحدى يديه سمنا وفي الأخرى عسلا فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تحفظ الكتابين فحفظ القرآن والتوراة ولهذا سأله عطاء بن يسار عن صفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في التوراة كما في الصحيح ولعل هذا قبل نزول قوله تعالى أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ فإن فيه الاكتفاء أو أن العسل فيه شفاء والسمن منه داء ودواء، (وروي عنه) أي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما في الإحياء لكن لم يعرف العراقي وروده في الانباء (أنّه كان من حيائه لا يثبت) من التثبيت أو الاثبات أي لا يشبع (بصره في وجه أحد) أي ناظرا إليه لاستيلاء الحياء عليه (وأنّه كان يكنّي) بضم ياء وتشديد نون أو بفتح وتخفيف أي يلوح ولا يصرح ويعرض (عمّا اضطرّه الكلام إليه) أي عن شيء لا بد منه ولا يسعه السكوت عنه (ممّا يكره) بصيغة الفاعل لا المفعول كما ضبطه الحلبي أي مما لا يستحسن التصريح به تخلقا بأخلاق ربه واقتداء بآدابه في نحو أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ وقوله تعالى فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وكقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث المستيقظ فإنه لا يدري اين باتت يده حيث لم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة في بدنه ونظائره كثيرة في الأحاديث الصحيحة ثم هذا فيما إذا علم أن السامع يفهم المقصود بالكناية وإلا لكان يصرح لينتفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به والله أعلم، (وعن عائشة رضي الله عنها) كما رواه الترمذي في الشمائل (مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم قطّ) أي أبدا وهو يدل على كمال الحياء من الجانبين لكنها ما استفادت الحياء إلا من حياء سيد الاصفياء وفي رواية عنها ما رأيت منه ولا رأى مني بحذف المفعول وتريد العورة وهو نهاية المبالغة منها في باب حيائها حيث حذفت آلة الكناية عنها وفي الحديث أن من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت وأنشدوا:

إذا لم تخشى عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

<<  <  ج: ص:  >  >>