عن غلبة خوف العقوبة (قال أفلا أكون عبدا شكورا) على ما أنعم علي من المغفرة وجاء الحديث طبق الآية في مدح نوح عليه الصلاة والسلام إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً وفي ذكر العبد إيماء إلى أنه لا بد لي من القيام بوظائف العبودية ومبالغة في أداء شكر حقوق الربوبية.
(ونحوه) أي مثله في المعنى مع اختلاف يسير في المبنى (عن أبي سلمة وأبي هريرة) كذا في النسخ بالعطف والظاهر تكرار عن لما في الشمائل للترمذي بإسناده بلفظ عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبو سلمة هذا تابعي جليل أحد الفقهاء السبعة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة ويحتمل أن يكون في ذلك حديث لأبي سلمة الصحابي موقوفا أو مرفوعا والله أعلم (وقالت عائشة رضي الله عنها) أي فيما رواه الشيخان (كان عمل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ديمة) بكسر الدال أي دائما باعتبار الغلبة فلا ينافي تركه على سبيل الندرة وما الطف عبارتها بقولها ديمة فإنها في الأصل المطر الدائم فلا يبعد أن يجعل من التشبيه البليغ مع قصدها المبالغة في عموم الفائدة، (وأيّكم يطيق ما كان يطيق) أي لما كان له من قوة النبوة الموجبة للمداومة. (وقالت) أي فيما روياه عنها أيضا (كان يصوم حتّى نقول) بالنصب وروي بالرفع كما سبق وروي بالوجهين مخاطبا والمعنى حتى نظن (لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ. ونحوه عن ابن عبّاس وأمّ سلمة) وهي آخر أمهات المؤمنين توفيت في إمارة يزيد (وأنس وقال) أي كل منهم رضي الله تعالى عنهم لا أنس وحده كما اقتصر عليه الانطاكي لكونه أقرب مبنى فإن الجمع أنسب معنى (كنت) أيها المخاطب (لا تشاء أن تراه في اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا وَلَا نَائِمًا) أي ولا تشاء أن تراه نائما (إلّا رأيته نائما) لما ورد عنه أما أنا فأصلي وأنام وأصوم وأفطر. (وقال عوف بن مالك) وهو من أكابر الصحابة وقد روى عنه أبو داود والنسائي والترمذي (كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة) ولعله كان في السفر (فاستاك) أي أول ما استيقظ (ثمّ توضّأ) والظاهر أنه اكتفى بالاستياك الأول. (ثمّ قام يصلّي) أي التهجد؛ (فقمت معه) يحتمل مقتديا ومتابعا (فبدأ) أي القراءة (فاستفتح البقرة) أي بعد الفاتحة لكونها كمقدمتها أو لبيان الجواز بترك قراءتها، (فلا يمرّ بآية رحمة إلّا وقف) أي في موقفها (فسأل) أي الله الرحمة، (وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ) أي التجأ من العقوبة لكونه واقفا بين مقامي الخوف والرجاء ووصفي الفناء والبقاء وملاحظا نعتي الجلال والجمال كما هو حال أهل الكمال، (ثمّ ركع فمكث) بضم الكاف وفتحها أي لبث فيه (بقدر قيامه يقول سبحان ذي الجبروت) فعلوت للمبالغة من الجبر بمعنى القهر والغلبة فإنه هو القاهر فوق عباده (والملكوت) مبالغة الملك أو باطنه أن الملك ظاهره وهذا المعنى متعين عند الجمع بينهما (والكبرياء) أي العظمة المناسب ذكرها في الركوع ولذا لما نزل قوله سبحانه وتعالى فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال اجعلوها في ركوعكم يعني قولوا فيه سبحان ربي العظيم، (ثمّ سجد) أي سجودا طويلا كما هو الظاهر (وقال مثل ذلك) أي نظيره أو بعينه لشمول معنى الكبرياء وصف العلاء الملائم ذكره في