(وقال صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فيما رواه مسلم وغيره (إنّي لأستغفر الله) أي أطلب مغفرته وأسأل رحمته (في اليوم) أي الواحد بل ورد عنه في المجلس الواحد (مائة مرّة) أي بلفظ استغفر الله أو بزيادة العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه أو بلفظ رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم (وروي) كما في البخاري والترمذي (سبعين مرّة) وكل منهما يحتمل التحديد والتكثير وكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم عد اشتغاله بدعوة الأمة ومحاربة الفكرة وتألف المؤلفة ومعاشرة الأهل والعشيرة ومباشرة الأكل والشرب وسائر ضرورات المعيشة مما يحجزه عن كمال الحضور وظهور نور السرور الحاصل من مراقبته ومشاهدته ولهذا المعنى لما سئل الشبلي عن سبب سد باب إفادته فقال لأن أكون طرفة عين مع رب العالمين خير عندي من علوم الأولين والآخرين وقد قال الغزالي ضيعت قطعة من العمر العزيز في تصنيف البسيط والوسيط والوجيز مع أن الأخير هو خلاصة مذهب الإمام الشافعي من طريق النووي والرافعي وهذا بالنسبة إلى قياس ما ظهر لنا من أحوالنا وإلا فالأمر كما روي عن الأصمعي في حديث إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر ربي من أنه لو صدر هذا على قلب صلى الله تعالى عليه وسلم لفسرته ولله در أدبه حيث عظم قلب حبيب ربه الذي هو مهبط وحيه. (وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن سنّته) أي طريقته المبنية على شريعته وحقيقته (فقال المعرفة رأس مالي) لأنها المقصودة من أصل الخلقة قال الله تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قال ابن عباس أي ليعرفون، (والعقل أصل ديني) أي بناء مداره ومحل اعتباره (والحبّ أساسي) أي أساس قلبي في حضوري مع ربي (والشّوق مركبي) لأن صاحب الشوق وطالب الذوق في سلوك الطائرين وفاقدهما سيره ضعيف في منازل السائرين (وذكر الله أنيسي) أي مؤنسي وسبب لأن يكون جليسي لحديث أنا أنيس من ذكرني وجليس من ذكرني وفي نسخة أنسي بضم فسكون (والثّقة) أي بالله كما في رواية يعني أن الاعتماد على ربي (كنزي) لما ورد القناعة كنز لا يفنى ولما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ (والحزن رفيقي) حيث إنه لا ينفك عن قلبي لما سبق من أنه كان متواصل الأحزان ولحديث إن الله يحب قلب كل حزين (والعلم سلاحي) لأني أحارب به عدوي من نفسي وشيطاني وأدفع عني به كيد إخواني (والصّبر ردائي) أي موضع تحملي ومحل تجملي وسبب رفعتي وكبريائي (والرّضى) بالقصر مصدر وفي نسخة بالمد على أنه اسم (غنيمتي) لأنه مغتنم في جميع ما يجري من القضاء ولذا قيل الرضى بالقضاء باب الله الأعظم وقد قال تعالى وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وفيه إيماء بأن رضى الله والعبد متلازمان لا يتصور أنهما ينفكان (والعجز فخري) أي افتخر بإظهار العجز والافتقار في مرتبه العبودية إلى الاحتياج للقدرة والقوة الربوبية كما يشير إليه قوله تعالى وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ ولعل هذا هو وجه ما وقع في نسخة من لفظ الفقر بدل العجز وإن قال ابن تيمية إن حديث الفقر فخري كذب وقال