للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أولى كما لا يخفى (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ أي أصحاب القوة في مباشرة الطاعات العملية وأرباب البصيرة في الأمور العلمية وفيه تعريض بالبطلة والجهلة الواقعين في تحصيل الشهوات النفسانية واللذات الحيوانية (إلى الْأَخْيارِ [ص: ٤٥- ٤٦] ) يعني قوله سبحانه وتعالى إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ أي جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لهم هي ذكرى الدار أي دار القرار لما فيها من قرب الجوار كما قال مجنون العامري:

وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا

فالخواص لا يذكرون الجنة ولا يطلبونها بالمرة إلا لما فيها من وعد الرؤية ومنزلة القربة وقرأ نافع وهشام بإضافة الخالصة إضافة بيانية وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ أي المجتبين من بين أمثالهم الأخيار أي المختارين بأفعالهم (وفي داود أنه أواب) أي حيث كان يفطر يوما ويصوم يوما وينام بعض الليل ويقوم بعضه (ثمّ قال: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أي قويناه بالهيبة وكثرة الجنود في الخدمة ودوام النصرة والغلبة (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي اتقان العلم والعمل أو الحكومة والنبوة (وَفَصْلَ الْخِطابِ [ص: ٢٠] ) أي الخصام بتمييز الحق عن الباطل في الأحكام أو الكلام الملخص الذي يتبينه المخاطب في كل باب أو قوله أما بعد في كل خطبة أو في أول كتاب (وقال عن يوسف) أي اخبارا عما خاطب به الملك بقوله (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥] ) فدل على غاية حفظه ونهاية علمه بتقرير الحق سبحانه وعظم شأنه وقد روي عن مجاهد أن الملك أسلم على يديه أي لما رأى من وفور علمه وحفظه وشفقته ومرحمته على خلق الله من خاصة وعامة حتى ما كان يشبع في حالته مع وجود الخزائن تحت تصرفه وحيز ارادته مما شهدت أموره الخارقة عن العادة بصحة ثبوته ورسالته (وفي موسى) حيث قال للخضر (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً [الكهف: ٦٩] ) أي معك غير منكر لك وتعليق الوعد بالمشيئة للإشارة إلى أن أفعال العباد جارية على وفق الإرادة الإلهية (وقال تعالى عن شعيب) لعل المصنف اختار تزيين التلويح والتفنن في مقام التحسين فتارة عبر بفي وأخرى بعن (سَتَجِدُنِي أي مخاطبا لموسى (إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القصص: ٢٧] ) أي في حسن المعاملة والوفاء بالمعاهدة والمعاشرة بالمجاملة والتعليق للاتكال على توفيقه سبحانه وتعالى ومعونته لا للاستثناء في معاهدته بكونه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل فإن هذا ليس من شأن الكمل (وقال) أي في حقه أيضا (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ) من قولهم خالفت فلانا إلى كذا إذا قصدته مع إعراضه عنه والمعنى ما أريد أن آتي ما نهيتكم عنه لأستبد به لعلمي بأنه خطأ وفي ارتكابه خطر فلو كان صوابا لآثرته ولم أتركه فضلا عن أن أنهى غيري عَنْهُ (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود: ٨٨] ) أي ما أريد بأمركم للمعروف ونهيكم عن المنكر إلا حصول الصلاح ووصول الفلاح ما دمت استطيعه أو القدر الذي أطيقه قال الثعلبي نقلا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>