على أن السرعة كانت تقع في مشيه عليه السلام لسعة خطوه من غير قصد له كيف وقد روي أنه عليه السلام قال سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن على ما رواه جماعة من الحفاظ (وإذا التفت) أي يمنة أو يسرة أو إلى أحد من جانبيه (التفت جميعا) أي مجتمعا إليه ومقبلا بكليته عليه فلا يسارق النظر ولا يكون كالطير الخفيف الطيش بل يقبل جميعا ويدبر جميعا (خافض الطّرف) أي بصره حياء من ربه وتواضعا لأصحابه، (نظره إلى الأرض أطول) أي أكثر مدة (من نظره إلى السّماء) لأنه أجمع للفكرة وأوسع للعبرة (جلّ نظره) بضم الجيم وتشديد اللام أي معظمه (الملاحظة) مفاعلة من اللحظ وهو مراعاة النظر بشق العين مما يلي الصدغ وكأنه أراد بها هنا حال كثرة تفكره في أمره المانع من توجهه بجميع نظره إلى جانب من طرقه أو إلى أحد من أهله (يسوق أصحابه) أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم تواضعا لربه وتعلميا لأصحابه وهذا في الحضر وأما في السفر فلزيادة مراعاة أضعف القوم ومحافظتهم من ورائهم وكان لا يدع أحدا يمشي خلفه ويقول دعوا خلفي للملائكة قال النووي وإنما تقدمهم في سؤر صنعه جابر لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعاهم إليه فجاؤوا تبعا له كصاحب الطعام إذا دعا طائفة مشى أمامهم انتهى ولا يبعد أن يقال إنما نقدمهم مبادرة إلى ما أراد من تكثير الطعام بوضع يده الشريفة عليه عليه الصلاة والسلام (ويبدأ) وفي رواية ويبدر بضم الدال أي يتبادر (من لقيه بالسّلام) لأنه الاكمل وثوابه الأفضل لما فيه من التواضع أولا والتسبب لفرض الجواب ثانيا ولذا عدت هذه الخصلة من السنن التي هي أفضل من الفريضة وفيه إشارة إلى أنه يستحب للأكبر أن يبتدئ به على الأصغر كما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الإسراء لما وصل إلى مقام الانتهاء وقال التحيات لله والصلوات والطيبات وبالغ في الثناء قال الله تعالى السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فأجابه صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقالت الملائكة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والحديث إلى هنا اتفق عليه الترمذي والطبراني والبيهقي في روايتهم عن ابن أبي هالة وقد اقتصر عليه السيوطي في جامعه الصغير وأما بإسناد المصنف على وفق ما في الشمائل للترمذي فقد قال الحسن بن علي لخاله هند لما وصل إلى هذا المحل وقد حصل له الحظ الأكمل من بعض فعله الأجل (قلت صف لي منطقه) أي كيفية آداب نطقه وبيان أخبار صدقه (قال) أي هند (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم متواصل الأحزان) أي وهو مما يوجب تكليل اللسان وتقليل البيان (دائم الفكرة) أي في أمر الآخرة (ليست له راحة) لأنه في دار محنة وهذا كله مما يقتضي قوله (ولا يتكلّم في غير حاجة) وكونه (طويل السّكوت) ثم ليس المراد بحزنه الما بفوت مطلوب عاجل ولا بتوقع مكروه آجل فإن ذلك منهي عنه لقوله سبحانه وتعالى لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ ولا ما أصابكم ولما ورد من دعائه عليه الصلاة والسلام اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وإنما المراد به التيقظ والاهتمام لما يستقبله من الأمور العظام كما أشار إليه