قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة حال وصولهم إلى غاية المنن الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ وأما ما نقله الحلبي عن ابن إمام الجوزية من أن حديث هند بن أبي هالة في صفته عليه الصلاة والسلام أنه كان متواصل الأحزان لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف وكيف يكون وقد صانه الله تعالى عن الحزن على الدنيا وأسبابها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فمن أين يأتيه الخزن فمدفوع بما نقله الحلبي أيضا عن شيخ الإسلام ابي العباس بن تميمة في حديث هند بن أبي هالة أنه عليه الصلاة والسلام كان كثير الصمت دائم الفكر متواصل الأحزان أما لفظه فالصمت والفكر للسان والقلب وأما الحزن فليس المراد به الألم على فوت مطلوب أو حصول مكروه فإن ذلك لم يكن من حاله انتهى وهذا تقرير لثبوت الحديث في المبنى واحتياج تأويله في المعنى ثم هذا كله من هند يدل على كماله حيث ذكر هذه المقدمة توطئه في مقام مقاله إجمالا ثم بينه تفصيلا بقوله (يفتتح الكلام ويختمه) أي يطلب ابتداءه وانتهاءه (بأشداقه) أي جوانب فمه لرحب شدقه والعرب تتمدح به (ويتكلّم بجوامع الكلم جمع جامعة) أي بالكلم الجوامع لمباني يسيرة ومعاني كثيرة وفي الحديث كان يستحب الجوامع من الدعاء أي الجامعة لمقاصد صالحة وفوائد صحيحة (فضلا) أي يتكلم حال كون كلامه كلاما بينا يعرفه كل أحد هينا ومنه قوله سبحانه وتعالى إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ أي بين الحق والباطل أو قاطع جامع مانع (لا فضول فيه) أي عريا من الفائدة فيكون مملا (ولا تقصير) أي فيه عن أصل معناه وما يتعلق بمبناه من منافعه الزائدة فيكون مخلا (دمثا) بفتح مهملة وكسر ميم فمثلثة أي كان لين الخلق سهلا (ليس بالجافي) أي غليظ الطبع أو الذي يجفو أصحابه (ولا المهين) بفتح الميم وضمها قال ابن الأثير فالضم من الإهانة أي لا يهين أحدا من الناس فتكون الميم زائدة والفتح من المهانة أي الحقارة فتكون الميم أصلية انتهى ومنه قوله تعالى حكاية عن فرعون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ أي حقير (يعظّم النّعمة) أي نعمة الله (وإن دقّت) أي قلت وصغرت (لا يذمّ شيئا) أي من نعمه سبحانه وتعالى أو أحدا من خلقه لنزاهته عن البذاء والأذى مع قوله (لم يكن يذمّ) أي يعيب (ذواقا) بفتح أوله وتخفيف واوه أي مأكولا ومشروبا وأما حديث إن الله لا يحب الذواقين والذواقات فيعني بهما سريع النكاح وسريع الطلاق (ولا يمدحه) أي لنزاهة ساحة قلبه عن الرغبة إلى غير ربه فيميل إلى التمتع بمتاع الحياة الدنيا والتوجه إلى حظ نفسه منها ليترتب عليه مدحها وذمها قيل لبعضهم ما بال عظة السلف تنفع وعظة الخلف لا تنجع فقال علماء السلف إيقاظ والناس نيام وعلماء الخلف نيام والناس موتى أو كالأنعام (ولا يقام لغضبه إذا تعرّض للحقّ) ببناء المفعول فيهما والمعنى لا يقوم أحد من الخلق لدفع غضبه إذا تعرض أحد له في أمر ربه (بشيء) أي بسبب مأمور أو منهي وروي لشيء باللام أي لأجل أمر وحاصله أنه إذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء (حتّى ينتصر له) أي يقوم بنصرة الحق الواجب في حقه هذا غاية لعدم التعرض لغضبه (ولا يغضب لنفسه) أي لحظها وبسببها (ولا