للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وهو يشمل القول والفعل وتوجه القلب وإقبال العقل، (وترك النّاس) أي أبعدهم عن ساحة ما ينقصهم (من ثلاث) بينها بإبدالها كما قال الدلجي بقوله (كان لا يذمّ أحدا) أي بما يضع قدره؛ (ولا يعيّره) بتشديد التحتية أي لا يعيبه بعيب سبق أمره إذ ورد في حديث الترمذي عن معاذ مرفوعا من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله قال التلمساني هما واحد وإلا كان العدد أربعا قلت الصواب أنهما عددان لأنهما متغايران وأن الثالث قوله (ولا يطلب عورته) أي لا يسيء ظنه به فيتجسس عن أمره ويتفحص عن خلله لقوله سبحانه وتعالى وَلا تَجَسَّسُوا ولحديث أبي داود على المنبر يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته بمعنى كشف الله حاله وفضحه فهو من باب المشاكلة لوروده بالمقابلة وقد تمت الثلاث فعطف على ما قبلها قوله. (ولا يتكلّم إلّا فيما يرجو ثوابه) أي في فعله أو يخاف من عقابه في تركه ولعله ترك للاكتفاء أو لكمال ظهوره، (إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطّير) أي إكراما له واحتراما لقوله وسبق تحقيقه (وإذا سكت تكلّموا) أي تأدبا معه وزيادة استفادة منه (لا يتنازعون عنده الحديث) أي لا يتجاذبونه بينهم كما بينه بقوله (من تكلّم عنده أنصتوا له) أي سكتوا له أو أسكت بعضهم بعضا لأجله (حتّى يفرغ) أي من كلامه وتحصيل مرامه، (حديثهم حديث أوّلهم) مبتدأ وخبر متضمن لتشبيه بليغ أي حديث آخرهم كحديث أولهم في الرغبة إليه والنشاط لديه وعدم الملالة والسآمة عليه وفي رواية حتى يفرغ حديث أولهم وروي حتى يفرغ من كلامهم حَدِيثُهُمْ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ (يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ) أي بحكم المؤانسة وحق المجالسة (ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه) تطييبا لخواطرهم وتحسينا لسرائرهم وظواهرهم (ويصبر للغريب على الجفوة) بفتح جيم فسكون فاء أي الغلظة والسقطة والغلطة (في المنطق) أي في العبارة وهذا كله كان دأبه في العادة (ويقول إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها) جملة حالية أو استينافية بيانية (فأرفدوه) بهمزة قطع أو وصل أي أعطوه ولو بعض كفايته أو أعينوه على قضاء حاجته (ولا يطلب الثّناء) أي ولا يقبله كما في رواية (إلّا من مكافىء) بكسر فاء فهمز أي معتقد لثنائه أو مقتصد في ثنائه غير متجاوز إلى اطرائه ألا تراه يقول ولا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله فإذا قيل هو نبي الله أو رسول الله فقد وصف بما لا يوصف به أحد من أمته فهو مدح مكافىء له وما أحسن قول البردة في هذه الزبدة

دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

(ولا يقطع على أحد حديثه) أي كلامه في اثنائه بل ينصت له (حتّى يتجوّزه) أي يتعداه ويتخلص (فيقطعه بانتهاء) أي لحديثه ولو بعد في قعوده (أو قيام) أي له على طريق وداعه؛ (هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع) أي شيخ الترمذي؛ (وزاد الآخر) أي بسند المصنف من

<<  <  ج: ص:  >  >>