وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ وقال وَهُوَ مُلِيمٌ وقال إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
فلم يأمن صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخامر بواطن ضعفاء أمته ما يؤدي إلى تنقيصه فبين أن ذلك ليس بقادح فيما منحه الله له من كرامة النبوة وشرف الرسالة وأنه مع ما صدر منه كإخوانه من المرسلين انتهى وقد يقال وجه تخصيصه من بين الأنبياء لكونه صلى الله تعالى عليه وسلم لما وقع عروجه إلى السماء ليلة الإسراء وحصل له مقام قاب قوسين أو أدنى مع سائر الكرامات وكان معراج يونس بطن الحوت في الظلمات لربما يتوهم متوهم أن معراج السموات أقرب إلى الرب فيكون صاحبه أفضل وأحب فدفع بأن الأمكنة بالنسبة إلى الله تعالى مستوية إذ هو بذاته تعالى منزه عن المكان ولو كان أعلى في ظهور الشأن (وَفِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال يعني) أي يريد أبو هريرة بالقائل (رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما ينبغي لعبد الحديث) أي الخ كما تقدم (وفي حديث أبي هريرة) أي كما رواه الشيخان (في اليهودي الذي قال) أي حين استب هو ورجل من الأنصار (والذي اصطفى موسى على البشر) أي في زمانه ولكنه بإطلاقه المتبادر كان يعم نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم بحسب الظاهر (فلطمه رجل من الأنصار) أي غيرة على نبينا المختار (وقال تقول ذلك) أي أتقول هذا القول (والنبي بين أظهرنا) أي بيننا موجود وطالعنا بطلوعه مسعود (فبلغ ذلك) أي الخبر (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فدعا الأنصاري فأخبره بذلك (فقال لا تفضّلوا) بضم أوله وتشديد الضاد المكسورة أي لا توقعوا التفضيل (بين الأنبياء) يعني بمجرد الأهواء والآراء وزاد بعضهم ثم قال وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ بن متى ثم إن النسخ والأصول بالضاد المعجمة وأعرب الدلجي حيث قال ومعناه بالصاد المهملة أي لا تفرقوا بينهم بتفصيل وبالمعجمة لا توقعوه بينهم انتهى وهو صحيح المعنى وإنما الكلام في ثبوت المبنى مع ما فيه من معارضته لقوله تَعَالَى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فلا بد من اعتقاد التفضيل بالإجمال أو التفصيل وأما قوله تعالى لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فالمعنى نؤمن بكلهم تعريضا لليهود فيما حكاه الله تعالى عنهم ويقولون نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، (وفي رواية) أي للشيخين ولأبي داود والنسائي (لا تخيّروني) بضم التاء وكسر الياء المشددة لا تفضلوني (على موسى) قاله تواضعا أو ردعا عن تفضيل يوجب نقيصة أو فتنة مفضية إلى عصبية وحمية جاهلية أو كان هذا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ والله تعالى أعلم (فذكر) أي الراوي (الحديث) أي بقيته وهي قوله قال فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان فيمن استثنى الله تعالى وفي رواية فلا أدري أجوزي بالصعقة أم لا وهي لغة أن يغشى على الإنسان من صوت شديد سمعه وربما مات ثم استعمل في الموت كثيرا والمراد بها ههنا ما أفاده وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً قال المصنف رحمه الله تعالى وهذا من أشكل الاحاديث لأن موسى مات فكيف يصعق وإنما يصعق الأحياء فيتحمل أن تزن هذه الصعقة صعقة فزع بعد