الأولى وهو مرفوع عطفا على ضد الباطل فهو خبر بعد خبر إشعارا بأن للحق معنيين مشهورين وأما قول الحلبي بفتح القاف الأولى المشددة وهو مبتدأ وصدقه الخبر وأمره معطوف على الخبر فهو مرفوع أيضا فخطأ من جهة البناء الصرفي والإعراب النحوي (وهو بمعنى الأوّل) أي فيما سبق فتأمل، (والمبين) على أنه نعت الرسول الأمين معناه (البين أمره ورسالته) أي الظاهر والواضح بناء على أن أبان لازم (أو المبين) بتشديد الياء المكسورة أي المظهر والمخبر (عن الله تعالى ما بعثه به) أي من أمر الرسالة لتعليم الأمة بناء على أن أبان متعد (كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤] ) أي من مرغوب ومرهوب (وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى النُّورُ وَمَعْنَاهُ ذُو النُّورِ) يعني على مضاف مقدر (أي خالقه) أو سمى نورا مبالغة كالعدل فمعناه النور ومبناه الظهور لأنه تعالى ظاهر بذاته وصفاته ومظهر حقائق مخلوقاته أو معنى ذي النور أن حجابه النور بحيث لو انكشفت سبحات وجهه لأحرقت ما انتهى إليها بصره من خلقه أو لأن ظهور الأشياء إنما هو بنوره وتبين الأمور ليس إلا لظهوره وأما اطلاق النور عليه سبحانه وتعالى بناء على ما هو في عرف الحكماء من أنه كيفية تدركها الباصرة أولا ثم بها تدرك سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من القمرين على الأجرام المحاذية لها فلا يصح حقيقة إلا أنه قد يتجوز من حيث إن ظهوره تعالى بذاته الموصوف بالقدم مبرأ عن ظلمة العدم وأن ظهور غيره ووجوده فائض عنه تعالى ثم تحقيق هذا المبنى وتدقيق هذا المعنى عند قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حيث قيل من جملة معانيه (أو منوّر السّموات والأرض) أي كما قرىء به في الآية على أن النور بمعنى التنوير مصدر بمعنى الفاعل وقوله (بالأنوار) أي بسبب الأنوار الحسية من الكواكب القمرية والشمسية (ومنوّر قلوب المؤمنين بالهداية) أي الوهبية أي بسبب امداد الأنوار المعنوية في الأفلاك القلبية (وسمّاه) أي النبي عليه السلام (نورا) أي على أحد التفسيرين (فَقَالَ: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ [المائدة: ١٥] قيل) أي المراد بالنور (محمّد وقيل القرآن) وقيل المراد بهما محمد لأنه كما هو نور عظيم ومنشأ لسائر الأنوار فهو كتاب جامع مبين لجميع الإسرار (وقال فيه) أي في حق نبيه (وَسِراجاً مُنِيراً [الأحزاب: ٤٦] ) أي شمسا مضيئا لقوله تعالى وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ففيه تنبيه لنبيه على أن الشمس أعلى الأنوار الحسية وأن سائرها مستفيض منها فكذلك لنبي عليه السلام أعلى الأنوار المعنوية وأن باقيها مستفيد منه بحكم النسبة الواسطية والمرتبة القطبية في الدائرة الكلية كما يستفاد من حديث أول ما خلق الله نوري وأما الحق فهو في المقام المطلق (سمّي بذلك) أي بما ذكر من النور والسراج المنير (لوضوح أمره) أي أمر رسالته (وبيان نبوّته وتنوير قلوب المؤمنين) عموما (والعارفين) خصوصا (بما جاء به) وما ظهر لهم من الأنوار والأسرار بسببه قال الحلبي ولعل ابن سبع استنبط من هذا ومن الحديث الذي سأل فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ربه أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا وضم ذلك لقوله واجعلني نورا ما