إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ وهو مبالغة الشاكر (ومعناه المثيب) أي المجازي بالجزاء الجزيل (على العمل القليل) فيرجع إلى صفة الفعل (وقيل المثني على المطيعين) فيرجع إلى صفة الذات وقيل الشكور لمن شكره فيكون من قبيل المقابلة وأما قول الدلجي المجازي عباده على شكرهم فليس من باب المشاكلة كما وهم بل يرجع إلى الأخص من المعنى الأول فتأمل (وَوَصَفَ بِذَلِكَ نَبِيَّهُ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء: ٣] ) ولقد قال أيضا في حق هذه الأمة إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أي لكل مؤمن كامل عالم عامل فإن الإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر فالأول باجتناب المعصية والثاني بارتكاب الطاعة وقد قال تعالى اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وقيل مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وقيل الشكور هو المعترف بالعجز عن أداء الشكر هذا وقد قال الأنطاكي لم يقع هذا من القاضي موقعه لأنه في معرض تحرير ما فضل الله تعالى به نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما خلع تعالى عليه من اسمائه وأما من خص بكرامة غير محمد من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام فقد قدمهم في أول الفصل وذكر نوحا عليه الصلاة والسلام في جملتهم وكان في ذلك غنية عن إعادة ذكره هنا مرة أخرى (وقد وصف النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم نفسه بذلك) أي الوصف (فقال) أي في الحديث المتقدم كما ذكره الترمذي وغيره لما قيل له حين انتفخت قدماه من قيام الليل اتتكلف هذا وقد غفر الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (أفلا أكون عبدا شكورا) يعني وعلى مشقة عبادته صبورا، (أي معترفا بنعم ربّي عارفا بقدر ذلك) أي بمقدار إنعامه عندي (مثنيا عليه) أي بلساني وجناني (مجهدا نفسي) أي في القيام بأركاني (في الزّيادة) أي في تحصيلها (مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧] ) أي نعمة على نعمة والحاصل أن المبالغة في القيام بشكر المنحة موجبة لزيادة مراتب المنة ومقتضية لإزالة مثالب المحنة. (ومن إسمائه تعالى العليم) قال الله تعالى وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (والعلّام) كان حقه أن يقول علام الغيوب أو علام الغيب إذ لم يرد العلام في اسمائه سبحانه وتعالى (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي في آية وفي آخرى عالِمِ الْغَيْبِ إما للاكتفاء وإما على برهان الأولى وغيبوبته بالنسبة إلى غيره وإلا ففي الحقيقة لا غيب بالنسبة إليه تعالى لأنه موجد كل شيء وخالقهم. (ووصف نبيّه بالعلم) أي في الجملة مع المشاركة لغيره (وخصّه بمزيّة منه) أي بفضيلة زائدة منه على غيره لاختصاصه بفضل منته عليه (فقال: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
) أي من المعارف الدينية والعوارف اليقينية (وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
[النساء: ١١٣] ) أي بالنسبة إلى غيرك من الأنبياء والأصفياء وإن أعطى كل منهم حظا جسيما (وقال) أي في مرتبة التكميل به مزية الكمال (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) أي قراءته مبني (وَالْحِكْمَةَ) أي ألسنة لبيانه معنى (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: ١٥١] ) أي بعقولكم ما لا طريق إلى معرفته سوى الوحي بإبداء نبوته وإظهار رسالته وفي تكرير الفعل إيماء إلى أنه نوع آخر فتدبر ولعل المراد