وكثرة ركاكته وأغرب من هذا أنه لما قتل مسيلمة على يد المسلمين من الصحابة قال رجل من بني حنيفة يرثيه
لهفي عليك أبا ثمامه ... لهفي على ركن اليمامه
كم آية لك فيهم ... كالشمس تطلع من غمامه
حكاه السهيلي وقال كذب بل كانت آياته معكوسة وراياته منكوسة فإنه كما يقال تفل في بئر قوم سألوه ذلك تبركا فملح ماؤها ومسح رأس صبي فقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في ابنين له بالبركة فرجع إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد أكله الذئب ومسح على عيني رجل استشفى بمسحه فابيضت عيناه (وسلبهم الله ما ألفوه) أي استعملوه (من فصيح كلامهم) أي في صحيح مرامهم وهذا يومي ترجيح القول بالصرفة كما فهم الدلجي وصرح بقوله ولا أقول به بل الصارف عن معارضته كمال بلاغته وأنا أقول وإنما صرفوا عن ما ألفوا لما أراد الله بهم من فضاحتهم وإلا لو عارضوا بطبق كلمات محاورتهم لربما أوهموا الضعفاء أنهم قاموا بمعارضتهم كما يشير إليه قوله (وإلّا فلم يخف على أهل المنبر) أي أصحاب التمييز (منهم أنّه) أي كلامهم هذا في مقام معارضتهم (ليس من نمط فصاحتهم) بضم النون والميم أي من نوعها (ولا جنس بلاغتهم) أي في فنها (بل ولّوا) أي أهل الميز من عقلائهم ولو كانوا من فصحائهم وبلغائهم (عنه مدبرين) أي أعرضوا عن الإتيان بمثله مولين بأدبارهم عن نحوه (وأتوا مذعنين) أي منقادين مقرين بكونهم عاجزين غايته أنهم صاروا مفترقين (من بين مهتد) أي مصدق به وبمن أنزل عليه من جهة رسالته (وبين مفتون) أي متحير في بديع بلاغته ومنيع فصاحته متعجب من عجزهم عن معارضته (ولهذا) أي ولكونه ليس من نمط فصاحتهم وجنس بلاغتهم (لَمَّا سَمِعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ) مِنَ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النحل: ٩٠] الآية) يعني وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (قال) أي الوليد (والله إنّ له لحلاوة) وفي نسخة حلاوة أي لذة عظيمة يدركها من له سجية سليمة (وإنّ عليه لطلاوة) بفتح الطاء وقد تضم أي رونقا وحسنا فائقا (وإنّ أسفله لمغدق) بغين معجمة اسم فاعل من الغدق بفتحتين وهو كثرة الماء تلويحا بغرارة معانيه في قوالب مبانيه وفي نسخة لغدق من غير ميم وضبط بفتح عين مهملة فسكون ذال معجمة استعارة من النخلة التي ثبت أصلها وهي العذق وهو رواية ابن إسحاق وبفتح معجمة فكسر مهملة من الغدق وهو الماء الكثير وهو رواية ابن هشام قال السهيلي ورواية ابن إسحاق أفصح لأنها استعارة تامة يشبه آخر الكلام أوله قال الحلبي فيوجه اللفظ الذي قاله القاضي في الكلام على رواية ابن إسحاق وابن هشام (وإنّ أعلاه لمثمر) إشارة إلى غزارة نفعه وزيادة رفعه بكريم فوائده وعميم عوائده (ما يقول هذا) أي مثل هذا (بشر) أي مخلوق وفي أصل