بالإعراض عن طريق المؤمنين المطيعين وأما الآية الأولى فهي في رتبة مقام المحبوبية أولى حيث جعل متابعة حبيبه شرطا لتحقق محبته ثم رتب على محبته المقرونة باتباعه محبة ثانية مجازاة من الله سبحانه وتعالى على محبتهم فمتابعتهم له محفوفة بمحبتين لله سابقة ولا حقة أزلية وأبدية علمية وتنجزيه بل المحبة الأولية هي التي أوجبت المحبة الآخرية كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ والحاصل أنه تعالى سد باب المحبة على جميع الخلق إلا بملازمة باب الحبيب ومتابعة آداب الطبيب الجامع بين مرتبة المحبة والمحبوبية والمريدية والمرادية والطالبية والمطلوبية والسالكية والمجذوبية فأبواب أرباب الهدى سدت السدى ومن جاء هذا الباب لا يخشى الردى ثم المحبة ميل نفس إلى ما فيه كمال يحملها على ما يقرب إليه فإذا علم العبد أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله وإن كل كمال في نفسه أو غيره إنما هو من الله وبه وإليه لم يكن حبه إلا له تعالى وفيه تعالى وذلك يدعو إلى طاعته المستلزمة لطاعة رسوله ولكونها بالإرادات أشد منها بالإدراكات فسرت بإرادة طاعته والتحرز عن معصيته ومحبته تعالى لعباده إرادة هدايتهم وتوفيقهم في الدنيا وحسن ثوابهم في الآخرى والعقبي. (وروي) أي عن جماعة كابن المنذر عن مجاهد وقتادة (أنّه لمّا نزلت هذه الآية) أي قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ، (قالوا) أي بعض الكفار (إنّ محمّدا يريد أن يتّخذه حنانا) أي ربا ذا رحمة (كما اتّخذت النّصارى عيسى حنانا) ومنه قوله تعالى وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وقيل محببا وقيل متمسحا به ومنه قول ورقة بن نوفل حين مر ببلال وهو يعذب والله لئن قتلتموه لاتخذته حنانا أي لأجعلن قبره موضع حنان أي مظنة رحمة من الله فاتمسح به متبركا كما يتمسح بقبور الصالحين الذين قتلوا في سبيل الله من الأمم الماضية فيرجع ذلك عارا عليكم ومسبة عند الناس راجعة إليكم، (فأنزل الله عز وجل) أي بعد تلك الْآيَةَ (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [آلِ عِمْرَانَ: ٣٢] ) تأكيدا للمتابعة (فقرن طاعته بطاعته صلى الله تعالى عليه وسلم) أي تعظيما لقدره وتشريفا لأمره، (رغما لهم) بفتح الراء وهو الأشهر أي غيظا لألوفهم وكرها لألوفهم ففي القاموس الرغم الكره ويثلث وأصل هذه الكلمة من الرغام وهو التراب يقال رغم أنفه بالكسر إذا لصق بالرغام فالمعنى إلصاقا لأنوفهم بالتراب جزاء لأنفتهم من ملازمة هذا الباب ومتابعة هذا الجناب على وفق الكتاب وآداب رب الأرباب لأولي الألباب، (وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى في أُمُّ الْكِتابِ) أي أصل الكتاب المشتمل على إجمال جميع الأبواب من الثناء على الله والتعبد له والاستعانة به وطلب الهداية إليه والوعد والوعيد منه وهو سورة الفاتحة الخاتمة (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أي من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهذا أولى ما قيل في الآية وهو صلى الله تعالى عليه وسلم يدخل فيه دخولا أوليا بلا مرية (فقال أبو العالية، والحسن البصريّ) أما الحسن بن أبي الحسن البصري فقد تقدمت ترجمته مجملة وأما أبو العالية فهما اثنان تابعيان من أهل البصرة فأحدهما أبو العالية