وسلم فقال تقرأ الكتابين التوراة والقرآن فكان يقرأهما انتهى والظاهر أن العسل معبر بالقرآن حيث فيه شفاء للناس وإيماء إلى حلاوة الإيمان وإشعار بأنه أعلى وأغلى من الأدهان وأن الجمع بينهما نور في عالم الاتقان بالنسبة إلى أهل الإيقان (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) حال مقدرة من الكاف (وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) وهذا منصوص في القرآن ولعل معناه مذكور في التوراة. (وحرزا) أي حفظا أو حفظا (للأمّييّن) أي يمنعهم بهدايته إياهم من كل مكروه والأميون جمع الأمي وهو من لا يحسن الكتابة والقراءة نسبة إلى أمة العرب حيث كانوا لا يحسنونهما غالبا أو إلى الأم بمعنى أنه كما ولدته أمه وهذا المعنى مستفاد من القرآن حيث قال هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ الآية وفي تخصيصهم تشريف لهم (أنت عبدي ورسولي) وهذا أيضا موجود في القرآن حيث أضافه بوصف العبدية والرسالة إليه سبحانه وتعالى، (سمّيتك المتوكّل) حيث قال وتوكل على الله أو لكونه رئيس المتوكلين في قوله سبحانه وتعالى وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (ليس، بفظّ) فيه التفات تنشيطا للسامع والمعنى ليس هو سيىء الخلق قليل التؤدة، (ولا غليظ) أي قاسي القلب قليل الرحمة كما قال سبحانه وتعالى وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وأما تفسير الحلبي وغيره الغليظ بالشديد القول فلا يلائم مبنى الآية وإن كان شدة القول والجفاوة متفرعة على غلظ القلب والقساوة (ولا صخّاب) بصاد وتشديد معجمة وهو سخاب بالسين المهملة من السخب وهو لغة ربيعة بمعنى رفع الصوت وصيغته فعال للنسبة كتمار لأن المراد به نفيه مطلقا من غير قيد قليل وكثير وقوله (في الأسواق) قيد واقعي لأن الغالب أن يقع فيها ارتفاع الصوت للمخاصمة والمشاجرة على وفق المشاهدة أو احترازي فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يرفع صوته في التلاوة حال الإمامة وفي الموعظة حال الخطبة (ولا يدفع بالسّيّئة) أي منه (السّيّئة) أي الواصلة إليه من غيره مع أنه جائز لقوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وسميت الثانية سيئة للمشاكلة والمقابلة أو بالإضافة إلى التحمل والصبر كما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وهي مقابلة السيئة بالحسنة لكن الأفضل والأكمل ما قاله سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهي المقابلة بالإحسان وهذا طريق أهل العرفان (ولكن يعفو) أي ولكن يدفعها بالتي هي أحسن فكان يعفو أي عن الخطائين في الباطن (ويغفر) أي في الظاهر وكان حقه أن يقول ثم ويحسن إليهم على ما هو المتبادر مما سبق ومما يفهم من قوله تعالى وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ولذا حكي أن بعض الأكابر دخل عليه خادم بطعام حار فانكب على بدنه فقرأ الخادم وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال كظمت فقرأ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال عفوت فقرأ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال اعتقتك وقد وقع مثل هذا كثيرا في نعته صلى الله تعالى عليه وسلم حيث حلم على جفاوة الأعراب فيما اغلظوا له بالقول والفعل وأحسن إليهم بالمال الكثير، (ولن يقبضه الله حتّى