للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة وعنائها (وشدّتها) أي شدة بلائها (أحد إلّا كنت له شهيدا) مبالغة شاهد أي أشهد له بما أعلم من صبره عليها (أو شفيعا) مبالغة شافع أي واشفع له (يوم القيامة) واو ههنا ليست للشك لأنه رواه جابر وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيدة وهي تابعية على الصحيح فحديثها مرسل عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا اللفظ ويبعد اتفاقهم على الشك وكذا يستحيل اتفاق رواتهم على الشك فأوهنا بمعنى الواو أو للتقسيم كما صرح به النووي فيكون شهيدا لبعض شفيعا لباقيهم أو شهيدا لمطيعهم شفيعا لمذنبهم أو شهيدا لمن مات في حياته شفيعا لمن عاش بعد موته وهذه خصوصية زائدة على شهادته في القيامة على جميع الأمم أو على أصفياء هذه الأمة وزائدة على شفاعته الكبرى للخلق أجمعين والصغرى للمذنبين وقد رود شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم في قتلى أحد أنا شهيد على هؤلاء أي شهادة خاصة توجب مزيد الرفعة والعلاء والحاصل أنه عليه الصلاة والسلام له شهادات متكاثرة وشفاعات متظاهرة في مواقف الآخرة (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (فيمن تحمّل) أي رفع حمله وأمتعته ونقلها (عن المدينة) وتحول عنها إلى غيرها (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) رواه الشيخان عن سفيان بن أبي زهير والمعنى لو علموا خيريتها لما فارقوها أو لو كانوا من أهل العلم لعلموا خيريتها ولصبروا على بليتها (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه الشيخان عن جابر (إنّما المدينة كالكير) بكسر الكاف وهو كير الحداد وهو المبني من الطين أو هو الزق الذي ينفخ به النار والمبنى الكور قاله ابن الأثير (تنفي) أي المدينة (خبثها) بفتحتين أو بضم فسكون وهو منصوب على المفعولية (وينصع) بنون ساكنة فصاد مفتوحة فعين مهملة أي ويخلص وقيل يبقى ويذر (طيبها) بفتح طاء مهملة وتحتية مشددة مكسورة أو بكسر فسكون وهو مرفوع على أنه فاعل ولو روي تنصح بالتأنيث وطيبها بالنصب لكان وجها وجيها قيل هذا القول صدر عنه عليه الصلاة والسلام على وجه التمثيل فجعل المدينة وما يصيب ساكنها من الجهد والبلاء وقحط والغلاء كمثل الكير يتميز به الخبيث من الطيب فيذهب الوسخ ويبقى نحو الذهب أزكى ما كان وأخلص وقد روي في سبب ورود الحديث أن أعرابيا بايع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأصاب الأعرابي حمى بالمدينة فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال يا محمد أقلني بيعتي فأبى ثم جاء فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الحديث وعن عمر بن عبد العزيز لما خرج من المدينة التفت إليها وبكى ثم قال نخشى أن نكون ممن نفته المدينة (وقال) أي في حديث آخر رواه مسلم عن جابر (لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا) أي للزاهد فيها والإعراض عنها وعدم الميل إليها (إلّا أبدلها الله خيرا منه) أي راغبا في سكناها صابرا على بلواها (وروي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم) كما في سنن البيهقي والدارقطني عن عائشة بسند ضعيف (مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>