تعالى في موضع آخر فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ بأن تتلهب على فراقهم جمرات (وَيُصَحِّحُ مَعْنَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثٌ رَوَاهُ شَرِيكٌ) وهو ابن عبد الله النخعي يروي عنه أبو بكر ابن أبي شيبة وعلي بن حجر وثقه ابن معين وقال غيره سيىء الحفظ وقال النسائي لا بأس به (عن عبد الله بن محمد بن عقيل) بفتح وكسر وهو ابن أبي طالب يروي عن ابن عمر وجابر وعدة وعنه جماعة قال أبو حاتم وغيره لين الحديث وقال ابن خزيمة واحتج به قال الواقدي مات بالمدينة قيل خروج محمد بن عبد الله بن حسن سنة خمس وأربعين ومائة (عن جابر بن عبد الله) كما رواه البزار وروى الطبراني نحوه عن ابن عباس (أنّ المشركين لمّا اجتمعوا بدار النّدوة) بفتح النون وسكون الدال المهملة وهو مكان اجتماعهم حيث يتشاورون في مهامهم (للتّشاور في شأن النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وهي دار بناها قصي بن كعب وجعل بابها إلى الكعبة ليجتمع فيها العرب للمشاورة وللختان وللنكاح وإذا قدمت غير نزلت فيها وإذا ارتحلت رحلت منها وسميت دار الندوة من الندي بتشديد الياء وهو مجتمع القوم قال الشمني وهي الآن من الحرم والله تعالى اعلم وهي الزيادة التي تلي ناحية سويقة من المسجد وهي مستقبلة الميزاب وسيأتي قصة مشورتهم واتفاقهم على قتله عليه الصلاة والسلام (واتّفق رأيهم على أن يقولوا) أي في حقه (إنّه ساحر) كما مر عن أبي جهل وعن الوليد بن المغيرة (اشتدّ ذلك عليه وتزمّل في ثيابه) أي تلفف (وتدثّر فيها) أي تغطى بها فوق الشعار أعني ما يلي جسده من الثياب ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الأنصار شعاري والعرب دثاري (فأتاه جبريل عليه السلام فقال) أي مناديا له (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل: ١] ) أي تارة وأخرى (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: ١] ) لما روي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كنت على حراء فنوديت يا محمد إنك رسول الله فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا فنظرت فوقي فرأيت شيئا وفي رواية عائشة رضي الله تعالى عنها فإذا به على كرسي بين السماء والأرض يعني جبريل فرعبت منه ورجعت إلى خديجة فقلت دثروني دثروني فقال يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (أو خاف) أي أو أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك من أجل أنه خاف (أنّ الفترة) أي للوحي إنما كانت (لأمر) أي لأجل أمر صدر عنه (أو سبب منه فخشي أن تكون) أي فترته (عُقُوبَةً مِنْ رَبِّهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يرد نهي عن ذلك) وفي نسخة شرع بالنهي عن ذلك أي عن التردي من الجبل لأنه كان أول الإسلام ولم تتبين الأحكام (فيعترض به) عليه في هذا المقام (ونحو هذا) أي من ضيق البال وشدة الحال (فرار يونس عليه الصلاة والسلام) وفيه ست لغات ضم النون وفتحها وكسرها مع ترك الهمز وبه حيث ذهب مغاضبا لقومه متبرما من تكذيبهم تخويفا لهم أن يحل العذاب عليهم ظنا منه أن فراره بغير إذن ربه سائغ إذ لم يفعله إلا غضبا لربه وغيظا على مخالفي دينه ومع ذلك لاحظ (خَشْيَةَ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ لَهُ لِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ من العذاب) ورجاء أن يؤمنوا به بعد فقده فقد روي أنهم لما فقدوه خافوا نزوله عليهم فاستغاثوا بربهم وقالوا يا حي حين لا