للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكون عبدا شكورا) حين قام عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل حتى تورمت قدماه فقيل له افتتكلف هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شكورا والحديث روى الترمذي والفاء للعطف على مقدر تقديره ءاترك الصلاة اعتمادا على الغفران فلا أكون عبدا شكورا للرحمن وقد قال في حق نوح عليه السلام إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً وقال عز وجل وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وقيل المعنى أن غفران الله تعالى إياي سبب لأن أصلي شكرا له فكيف أتركه ثم تخصيص العبد بالذكر للإشعار بأن العبودية تقتضي صحة النسبة وليست تتصور إلا بالعبادة وهي عين الشكور فالمعنى ألزم العبادة وإن غفر لي لأكون عبدا شكورا وكأن من سأله ظن أن سبب تحمل مشقة العبادة إما خوف معصية أو رجاء مغفرة فأفاده أن لها سببا آخر أتم وأكمل وهو الشكر على التأهل لها مع اكمال المغفرة واجزال النعمة وقد روي عن علي كرم الله تعالى وجهه أن قوما عبدوا رغبة فتلك عبادة التجار وأن قوما عبدوا رهبة فتلك عبادة العبيد وأن قوما عبدوا شكرا فتلك عبادة الأحرار كذا نقله عنه صاحب ربيع الأبرار (وعلى هذه الوجوه) أي الأخيرة كما في نسخة وهي من قوله وقالوا وقد يكون الغين إلى آخره (يُحْمَلُ مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الحديث عنه عليه الصلاة والسلام إنه) بكسر الهمز أي الشأن (لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سبعين مرّة فأستغفر الله تعالى) ولا يخفى أن هذه الرواية تؤيد أن المراد بالعدد في الحديث السابق هو الغين المرتب عليه الاستغفار لا الاستغفار المجرد عن الغين كما قدمناه (فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صلى الله تعالى عليه وسلم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ أي الخلق بأجمعهم (عَلَى الْهُدى) بتوفيقهم للإيمان وترك العصيان لكن لم تتعلق المشيئة بما هنالك فلم يجمعهم على ذلك وأما تأويل المعتزلة بأن يأتيهم بآية ملجئة تجمعهم عليه لكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة فمردود عليهم لأن المشيئة لا تتعلق بالخارج عن الحكمة والحكم الالهية لا نهاية لها ولا غاية لمعرفتها بل أكثرها مجهول عندنا (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ [الأنعام: ٣٥] ) أي بصفات الله تعالى المقتضية لذلك فإن منها الجلالية التي توجب هلاك الكفار وانتقامهم بالنار خالدين فيها أبدا ومنها الجمالية التي توجب الرحمة على المؤمنين وإنعامهم بالجنة خالدين فيها أبدا (وقوله تعالى) أي والحال أنه قد قال وفي نسخة وقوله أي وما معنى قوله (لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [هود: ٤٦] ) وحاصل الإشكال نهاهما عن كونهما من الجهال فأجاب عنه بقوله؟ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ فِي ذَلِكَ إِلَى قول من قال في آية نبيّنا عليه الصلاة والسلام) وهي الآية الأولى (فلا تَكُونُنَّ مِمَّنْ يَجْهَلُ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لجمعهم على الهدى) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن جاهلا بهذا المقام ولا يجوز جهل الأنبياء بصفاته الكرام لكن لا يلزم من نهيه عن كونه منهم أنه منهم كما قال تعالى في آيات كثيرة فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ فإن المراد به التهييج والتثبيت على تحقيق ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>