المرام والتعريض بأن من كان على خلاف ذلك الاعتقاد فهو جاهل بالرشاد وضال عن طريق السداد (وفي آية نوح) وهي الآية الثانية (لَا تَكُونُنَّ مِمَّنْ يَجْهَلُ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقّ) أي واخباره صدق (لقوله) أي لتصريح نوح نفسه (وإنّ وعدك الحقّ إذ فيه) أي فيما قاله هذا القائل الجاهل مجترئا بقوله عليهما تفسيرا للآيتين (إثبات الجهل بصفة من صفات الله تعالى) أي تجويزا مكان ذلك لأن النهي غالبا لا يكون إلا هنالك وإلا فقد سبق أنه لا يلزم من قوله فيهما اثبات الجهل لهما بصفة من صفات الله تعالى (وذلك) أي الجهل المذكور (لا يجوز على الأنبياء) بل ولا على العلماء والأولياء (والمقصود) أي من نهي الأنبياء عن هذه الأشياء (وعظهم أن لا يتشبّهوا في أمورهم) أي من أحوالهم وأقوالهم وأعمالهم وفي نسخة أن لا يتسموا بتشديد التاء أي لا يتصفوا (بسمات الجاهلين) بكسر السين المهملة أي بصفاتهم (كما قال) أي الله سبحانه وتعالى إيماء إلى ذلك (إنّي أعظك وليس في آية منها دليل على كونهم على تلك الصّفة) أي صفة الجهل (الّتي نهاهم عن الكون عليها) أي الاتصاف بها (فكيف) أي لا يكون الأمر كذلك (وآية نوح قبلها فلا تسألني) فيه قراآت أي فلا تطلبني (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) من نجاة ابنك (فحمل ما بعدها) أي ما بعد هذه الآية وهو قوله إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ (على ما قبلها) وهو قوله (فلا تسألني ما ليس لك به علم)(أولى) لصراحتهم بعدم علمه بموجب ترك نجاة ابنه (لأنّ مثل هذا) أي سؤال ما ليس له به علم من نجاة ابنه (قد يحتاج إلى إذن) من ربه ليقدم عليه بأمره (وقد تجوز إباحة السّؤال فيه ابتداء) أي من ابتداء الحال قبل النهي عن السؤال (فنهاه الله أن يسأله عمّا طوى) أي زوى الله تعالى (عنه علمه وأكنّه) بتشديد النون أي ستره وكتمه (من غيبه) أي عن ادراكه بالبصر أو البصيرة ومن بيان لما وقوله (من السّبب) بيان للغيب فكأنه قال من الغيب الذي هو السبب (الموجب لهلاك ابنه) وفي نسخة لإهلاك ابنه مع أنه قال تعالى وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ لكن لما كان على وجه الإجمال حمله على هذا السؤال ليتبين له جملة الأحوال وقال الماتريدي ظن أنه على دينه إذ كان يظهر له ذلك ويبطن كفره نفاقا هنالك وإلا لما تأتي له أن يقول إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وقيل إنه غلب عليه الشفقة الوالدية ومقتضى الطباع البشرية والأظهر قول الماتريدي ولذا قال المصنف (ثمّ أكمل الله تعالى نعمته عليه) أي هنالك (بِإِعْلَامِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي الموعودين بالنجاة كما قدمنا الإشارة إليه بأداة المستثناة أو المعنى ليس من أهلك حقيقة وإن كان ابنك صورة حيث خالفك سيرة كما بينه سبحانه وتعالى بقوله (إِنَّهُ عَمَلٌ) أي ذو عمل (غَيْرُ صالِحٍ [هود: ٤٦] ) وفي قراءة الكسائي إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ بصيغة الفعل ونصب غير والمراد بعمل غير صالح الكفر فكل من كان من ذرية الأنبياء ولم يكن من الاتقياء فلم يكن من أهلهم وإن كان من نسلهم ولذا ورد آلى كل تقي (حكى معناه مكّيّ كذلك) أي ومثل أمره سبحانه وتعالى لنوح عليه السلام (أمر نبيّنا) صلى الله تعالى عليه وسلم (في الآية