في قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ أي لو افترى علينا ما لا يصح نسبته إلينا لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين أي لأهلكناه وعذبناه وهذا تصوير لقتله صبرا بأفظع ما يفعله الملوك قهرا فيؤخذ بيمينه فيضرب عنقه فينقطع وتينه وهو عرق يقال له حبل الوريد مناط القلب فإذا قطع مات صاحبه والمعنى أن المعصوم لا يفتري على الله تعالى حتى يتفرع عليه ما هدد به (وَقَوْلِهِ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: ١١٦] ) والمعنى أن المعصوم لا يتصور منه إطاعة أرباب الضلال حتى يضلوه عن طريق الوصال (وقوله: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [الشورى: ٢٤] ) أي بعد قوله أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فالمعنى إن يشأ يجعلك ممن يختم على قلبه حتى يجترئ بالكذب على ربه أو المعنى يختم على قلبك فينسيك كلام ربك وقيل المعنى يربط عليه بالصبر فلا يشق عليه مقالة أهل الكفر فلا إشكال حينئذ (وقوله: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) أي ما أمرت به من تبليغ جميع ما أنزل إليك (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [المائدة: ٦٧] ) قرئ بالإفراد والجمع أي حق رسالته أو فكأنك ما بلغت شيئا منها (وقوله: اتَّقِ اللَّهَ) كذا في نسخة وقبله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ كما في أخرى أي دم على تقواه (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ [الأحزاب: ١] ) أي فيما يؤدي إلى وهن في الدين ومن المعلوم أن المعصوم لا يكون إلا متقيا ولا يتصور فيه أن يطيع كافرا فما معنى أمره بالتقوى ونهيه عن إطاعة غير المولى (فاعلم) أيها المخاطب الأعم (وفقنا الله وإيّاك) للطريق الأقوم (أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لا يصحّ) أي له (ولا يجوز عليه أن لا يبلّغ) أي شيئا مما أمر به (ولا أن يُخَالِفَ أَمْرَ رَبِّهِ وَلَا أَنْ يُشْرِكَ بِهِ ولا يتقوّل على الله) أي ولا أن يتكلف بالقول عليه (ما لا يحبّ) أي ما لا ينبغي أن يقال ولم يؤذن في ذلك المقال (أو يفتري عليه) أي من تلقاء نفسه (أو يضلّ) بصيغة المجهول وفي نسخة بفتح الياء وكسر الضاد (أو يختم على قلبه) بالبناء للمفعول (أو يطيع الكافرين) أي أعم من المنافقين (لكن) وفي نسخة ولكن الله تعالى (يسّر أمره) أي سهله (بالمكاشفة والبيان في البلاغ) أي في تبليغه (للمخالفين) أي من اليهود والنصارى والمشركين (وَأَنَّ إِبْلَاغَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ السَّبِيلِ) أي الطريق المرضي (فكأنّه ما بلّغ) والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام كان خائفا من وقوع تقصير له في هذا المقام ولذا عقبه (وطيّب نفسه) أي أراحه من تعبه (وقوّى قلبه) بتوفيق ربه وتحقيق أمره (بقوله وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] ) أي مما بين الناس من أن تقع منك معصية أو تقصير في طاعة وهذا المعنى هو المناسب لهذا المقام كما يشير إليه السابق واللاحق للكلام وهو قوله تعالى وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ وهو لا ينافي ما ذكر بعضهم في معناه أنه سبحانه وتعالى يعصمه من تعرض الكفار له بقتل ونحوه ففيه تنبيه نبيه على أنه لا بد له من إكمال تبليغه وهذه التسلية له عليه الصلاة والسلام (كما قال لموسى وهارون لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما [طه: ٤٥] ) أي حافظكما وناصركما على أعدائكما وهذا كله (لتشتدّ بصائرهم) أي لتتقوى سرائرهم (في الإبلاغ) ويروى في البلاغ أي في باب