النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ أي وحيا جليا أو الهاما خفيا (وَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا) أي من النوازل ولم يبادر إلى الاجتهاد فيها ولعله في الأمور الكلية لا في المسائل الفرعية المعلومة من القواعد الشرعية (ولكنّه لم يمت حتّى استفرغ) أي استوفى واستجمع وفي نسخة استقر أي ثبت واستمر (علم جميعها عنده عليه الصلاة والسلام) كما يدل عليه قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (وَتَقَرَّرَتْ مَعَارِفُهَا لَدَيْهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَرَفْعِ الشَّكِّ) بصيغة المجهول أي ارتفع التردد (والرّيب) أي الشبهة (وانتفاء الجهل) أي بأن ينسب في شيء إليه (وبالجملة فلا يصحّ منه) أي من النبي عليه الصلاة والسلام (الْجَهْلُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرْعِ الَّذِي أُمِرَ بالدّعوة إليه إذ لا تصلحّ دعوته إلى ما لا يعلمه) أي إلى ما لا علم به لديه صلى الله تعالى عليه وسلم (وأمّا ما تعلّق بعقده) أي بجزم قلبه في معرفة ربه (من ملكوت السّموات والأرض) أي ظواهرهما وبواطنهما (وخلق الله تعالى) أي وسائر مخلوقاته العلوية والسفلية (وتعيين أسمائه الحسنى) أي المشتملة على نعوت الجمال وصفات الجلال كما يقتضيه ذات الكمال (وآياته الكبرى) أي العظمى من عجائب مخلوقاته وغرائب مصنوعاته (وأمور الآخرة) من نشر وحشر وشدائد أحوالها ومكابد أهوالها (وأشراط السّاعة) أي علاماتها من قطيعة الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام وكثرة الظلم من الأنام (وأحوال السّعداء) في جنة النعيم (والأشقياء) في محنة الجحيم (وعلم ما كان) في بدء الأمر (وما يكون مما لم يعلمه) ويروى فيما لا يعلمه (إلّا بوحي فعلى ما تقدّم) جواب أما أي فمحمول على ما سبق (مِنْ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِيهِ لَا يَأْخُذُهُ فِيمَا أعلم به) بصيغة المجهول (منه شكّ) أي تردد (ولا ريب) أي شبهة لقوله تعالى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (بل هو فيه على غاية اليقين) في طريق الدين المبين (لكنّه) أي الشأن أو النبي عليه الصلاة والسلام (لَا يَشْتَرِطُ لَهُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ) بل ربما يقال إنه لا يتصور له الاستقصاء بما هنالك (وإن كان عنده من علم ذلك) أي بعضه مما حكم له في القدر (ما ليس عند جميع البشر) أي افرادا وجمعا (لقوله) أي النبي (عليه الصلاة والسلام) فيما رواه البيهقي (إِنِّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي ولقوله) فيما رواه الشيخان عنه عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (ولا خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم عليه اقرؤوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) بصيغة المفعول وقرأ حمزة بصيغة المتكلم (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧] ) أي مما تلذ به وبله اسم فعل بمعنى دع واترك (وَقَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) وفي قراءة بإثبات الباء (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف: ٦٦] ) وقرأ أبو عمرو بفتحهما أي علما ذا رشد وفيه أن المفضول قد يتميز بشيء لم يكن عند من هو أفضل منه كما يشهد له قصة الهدهد مع سليمان عليه السلام (وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم) فيما رواه الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه (أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم وقوله) فيما رواه أحمد (أسألك بكلّ اسم هو لك) أي خاصة (سمّيت به نفسك أو استأثرت به) أي انفردت