للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتهاد منه) أي من النبي (في ذلك) أي فيما لم ينزل عليه فيه شيء وهو الحق المبني (على قول المحقّقين) أي من علماء الدين وكبراء المجتهدين (وعلى مقتضى حديث أمّ سلمة) أم المؤمنين (إنّي إنّما أقضي بينكم برأيي) أي أحيانا (فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ خَرَّجَهُ) أي خرج حديث أم سلمة (الثّقات) أي من الرواة كأبي داود، (وكقصّة أسرى بدر) وهي معروفة وسيأتي بيانها وقد نزل فيها ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (والإذن للمتخلّفين) أي من المنافقين عن غزوة تبوك حيث نزل فيها عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ (على رأي بعضهم) أي بأن ما صدر عنه كان باجتهاد منه وقيل لا يجوز له الاجتهاد بالرأي المبني على الظن لقدرته على علم اليقين بالوحي بانتظاره ورد بأن انزال الوحي ليس في قدرته وتحت اختياره مع أنه قَالَ تَعَالَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (فَلَا يَكُونُ أَيْضًا مَا يَعْتَقِدُهُ مِمَّا يُثْمِرُهُ اجتهاده إلّا حقّا) أي وصدقا (وصحيحا) أي صريحا (هذا هو الحقّ الّذي لا يلتفت) أي معه (إلى خلاف من خالف فيه) أي ممن أجاز عليه الخطأ في الاجتهاد كما في نسخة فقال بمنع اجتهاده مطلقا أو بمنعه في غير الأسرى والحروب وجوازه فيهما بل اجتهاده حق وصواب فيما لم ينزل عليه فيه شيء (لا على القول بتصويب المجتهدين) فيما لا قاطع فيه من مسائل الفروع (الّذي هو الحقّ والصّواب عندنا) أي على ما ذهب إليه الأشعري والباقلاني ومختار أبي يوسف ومحمد وابن شريح بأن كل مجتهد مصيب (ولا على القول الآخر) وهو مذهب الجمهور (بأنّ الحقّ في طرف واحد) وأن مصيبه من المجتهدين في كل مسألة واحد مكلف بإصابته لقيام إمارة عليه وإشارة إليه فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ولا إثم عليه بخلاف اجتهاد النبي فإن الصواب عدم خطأه في هذا الباب (لعصمة نبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الشّرعيّات) وأما القول بأنه قد يخطىء وينبه عليه فمما لا يلتفت إليه وأما ما سبق من عتابه في قصة اسرى بدر وإذن المتخلفين عن تبوك فمحمول على أنه كان خلاف الأولى (ولأنّ القول في تخطئة المجتهدين) أي على القول بأن المصيب واحد منهم لا بعينه (إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ وَنَظَرُ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي تأمله وتفكره (وَاجْتِهَادُهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فيه شيء ولم يشرع له قبل) مبني على الضم أي قبل نظره واجتهاده وفي نسخة قبل هذا، (هذا) أي ما تقدم (فيما عقد عليه) أي النبيّ كما في نسخة (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قلبه) أي عزم عليه واستقر لديه (فَأَمَّا مَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ قَلْبَهُ مِنْ أمر النّوازل الشّرعيّة) أي مما يحتاج إلى بيان الأمر فيه رعاية للرعية (فقد كان لا يعلم منها أوّلا) أي قبل الوحي والإذن (إلّا ما علّمه الله شيئا شيئا) أي فشيئا على وجه التدريج بحسب ما يقتضيه الحكم والحكمة من الفعل والترك (حتّى استقرّ علم جملتها) أي إجمالها وتفصيلا ويروى علم جميعها (عنده) بعد وصوله إلى مقام يوجب كمالا وتكميلا (إِمَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ أَوْ إِذْنٍ لَهُ أن يشرع في ذلك) أي فيما أبداه (ويحكم بما أراه الله) كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>