(وتصديق بصره فيما رأى) أي بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى يعني ما رأى النبي صلى الله عليه وسلّم ببصره من صورة جبريل أو من ذاته سبحانه أي ما كذب قبله بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم بالبصر أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قاله لكذب لأنه عرفه بفؤاده كإراءة بصره يقينا لا تخييلا إذ قد سُئِلَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي والجمع بين روايات المحدثين وقول المفسرين واختلاف الصحابة والتابعين أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ربه مرتين مرة ببصره وأخرى ببصيرته هذا وقيل الضمير في رأى عائد على الفؤاد نفسه أي ما كذب الفؤاد ما رآه بل صدقه وتحققه والرؤية ههنا حينئذ بمعنى العلم وكذب بالتخفيف ككذب بالتشديد كما قرئ بهما، (وأنّه رأى من آيات ربّه الكبرى) أي بقوله لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى أي رأى ليلة الإسراء عند عروجه إلى السماء بعض آياته الملكية والملكوتية أو كلها فمن مزيدة والكبرى صفة للآيات، ((وقد نبّه) أي الله سبحانه وتعالى (على مثل هذا) أي رؤيته من آيات ربه (في أوّل سورة الإسراء) أي بقوله لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا والأظهر أن قوله لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا في المسجد الأقصى وقوله لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى في السموات العلى، (ولمّا كان ما كاشفه) أي الذي رآه (عليه السلام) أي برؤيته بمعنى اطلع عليه ورآه ابتداء لا بمعنى رفع غطاءه وإن زعم لأنه لو اراد هذا المعنى لقال وكشفه ولعدم مناسبته للمقام إذ لا يقال رفع غطاء ما هنالك (من ذلك الجبروت) بفتحتين فعلوت مبالغة من الجبر بمعنى القهر كالعظموت من العظمة والمراد أنه رأى ما يدل عليه إذ هو معنى المعنى لا يشاهد بالبصر الظاهر إلا أن تحمل الرؤية على رؤية البصيرة فالمراد بها العلم والمعرفة (وشاهده من عجائب الملكوت) مبالغة من الملك كالرهبوت من الرهبة والرحموت من الرحمة والمحققون على أن الملك ظاهر السلطنة والملكوت باطنها وقيل المراد بالملك العالم السفلي وبالملكوت العلوي (لا تحيط به العبارات) أي لا تشمله أنواع التعبيرات ولا تحويه أصناف التفسيرات لقصور الافهام عن إدراكه على وجه الحقيقة والجملة خبر كان (ولا تستقلّ) بتشديد اللام أي لا تستبد (بحمل سماع أدناه) أي أقله (العقول) لعجزها عن حمل أقله فضلا عن حمل أكثره (رمز) جواب لما أي أشار الله سبحانه وتعالى (عنه تعالى) أي عما كاشفه صلى الله تعالى عليه وسلم وأطلع عليه (بالإيماء) متعلق برمز ولعل الإيماء أغمض من الرمز في الإنباء من جهة الإخفاء كالإشارة بالعين والحاجب ونحوهما (والكناية) عطف على الإيماء والمراد بهما التلويح وترك التصريح بدليل قوله (الدّالة على التّعظيم) والحاصل أنه سبحانه وتعالى رمز وأومأ وكنى عما كاشفه بما المبهمة الدالة على الفخامة والعظمة (فقال فَأَوْحى
) أي جبريل أو الله تعالى (إِلى عَبْدِهِ
) أي عبده الخاص الواصل إلى مقام الاختصاص صلى الله تعالى عليه وسلم (ما أَوْحى
[النجم: ١٠] ) أي شيئا عظيما لا يعلم كنهه سواه ففي إبهامه من التفخيم ما ليس في إيضاحه وقيل المعنى فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحاه جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام