للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم من الأشربة بلغتك وفسره لي بلغتنا، فإن لكم لغة، سوى لغتنا فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتم (وهي الجرة) وعن الدباء (وهي القرعة) وعن المزفت

(وهو المقير) وعن النقير (وهي النخلة تنسخ نسخاً، وتنقر نقراً،) وأمر أن ينبذ

في الأسقية) .

وقد روي بمعناه أحاديث كثيرة في النهي عن الانتباذ في بعض الأوعية كما في حديث وفد عبد القيس (١) وغيره.

وفي ذكر النهي عن الانتباذ في بعض الأوعية يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (٢) :

(ونهى عن الانتباذ في الأوعية التي قد يتخمر النبيذ فيها ولا يعلم به) .

ويزيد ابن القيم رحمه الله تعالى هذا المعنى إيضاحاً مبيناً علة النهي فيقول (٣) : (وسر المسألة أن النهي عن الأوعية المذكورة من باب سد الذرائع إذ الشراب يسرع إليه الإسكار فيها.

وقيل: بل النهي عنها لصلابتها، وإن الشراب يسكر فيها ولا يعلم به، بخلاف الظروف غير المزفتة، فإن الشراب متى غلا فيها وأسكر انشقت فيعلم أنه مسكر.

وعلى كلا العلتين فهو من باب سد الذريعة، كالنهي أولاً عن زيارة القبور سداً لذريعة الشرك، فلما استقر التوحيد في نفوسهم وقوي عندهم أباح لهم في زيارتها غير أن لا يقولوا هجراً.

وهكذا قد يقال في الانتباذ في هذه الأوعية: أنه فطمهم عن المسكر وأوعيته وسد الذريعة إليه، إذ كانوا حديثي عهد بشربه فلما استقر تحريمه عندهم واطمأنت


(١) هم: قبيلة عدنانية قدم وفدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكانوا أربعة عشر راكباً رئيسهم الأشج
العصري (انظر: شرح مسلم ١/١٨١) . وقد ساق مسلم حديثهم وفيه النهي عن الانتباذ في
بعض الأوعية وشرحها النووي شرحاً وافياً.
(٢) انظر: أعلام الموقعين ٣/ ١٥١.
(٣) انظر: زاد المعاد ٣/٣٠.

<<  <   >  >>