للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقع في ضيق، وليس من التقوى التحايل على إسقاط الواجبات، أو فعل المحرمات، بحجة إخراج الناس من الضيق، بل قد يكون التحايل على الأحكام الشرعية سببًا في الوقوع في المضايق.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (١).

وجه الدلالة من الآية: أن أيوب -عليه السلام- أقسم ليضربن زوجته مئة ضربة، فأمره الله أن يأخذ حزمة من حشيش فيضربها ضربة واحدة، وتلك وسيلة شرعها الله لنبيه ليتحلل عن يمينه، وفيها دلالة على جواز الحيل (٢).

نوقش: بأن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا، وعلى فرض التسليم بأنه شرع لنا فإن هذا الحكم خاص بأيوب؛ فلو كان عامًا لم يكن في اقتصاصه علينا كبير عبرة؛ ويدل على الاختصاص قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}، وهذه الجملة خرجت مخرج التعليل؛ فعلم أن الله -عز وجل- إنما أفتاه بهذا جزاء له على صبره (٣).

الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه (٤).


(١) سورة ص، الآية ٤٤.
(٢) انظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي ٢/ ٦٠٢، ضوابط المصلحة، للبوطي، ص ٣١٦.
(٣) انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية ٦/ ١٨٧، إعلام الموقعين، لابن القيم ٣/ ١٦٥.
(٤) سبق تخريجه ص ٣٩.

<<  <   >  >>