للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الرجل أن يتوسط إلى ما أراده من أخذ الجيد بالرديء بالطريق المشروع في الأصل، وهو أن يبيع الرديء بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا جيدًا، وهذه الواسطة حيلة، فهي لا تتخذ لذاتها، إنما تتخذ لغرض آخر توقف نيله عليها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها مما يدل على جواز الحيل (١).

نوقش: بأن في الحديث قصدًا سليمًا، ومبنًى متخلفًا عنه، فأرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى إلحاق المبنى بالمقصد السليم (٢)، والحيلة التي أرشد لها النبي -صلى الله عليه وسلم- مشروعة للوصول إلى مقصد مشروع، فهي من الحيل الجائزة بالاتفاق، قال ابن تيمية: " أن تحصيل المقاصد بالطرق المشروعة إليها ليس من جنس الحيل سواء سمي حيلة، أو لم يسم، فليس النزاع في مجرد اللفظ، بل الفرق بينهما ثابت من جهة الوسيلة والمقصود" (٣).

الدليل الرابع: عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رَجُلٌ مُخْدَجٌ ضَعِيفٌ، فَلَمْ يُرَعْ إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ الدَّارِ يَخْبُثُ بِهَا، فَرَفَعَ شَأْنَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «اجْلِدُوهُ ضَرْبَ مِائَةِ سَوْطٍ»، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هُوَ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ، لَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةَ سَوْطٍ مَاتَ، قَالَ: «فَخُذُوا لَهُ عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» رواه أبو داود وغيره (٤).


(١) ضوابط المصلحة، للبوطي، ص ٣١٧ - ٣١٨.
(٢) انظر: المخارج الشرعية ضوابطها وأثرها في تقويم أنشطة المصارف الإسلامية، لحسين العبيدلي، ص ٧.
(٣) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية ٦/ ١٣٤.
(٤) رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في إقامة الحد على المريض، برقم ٤٤٧٢، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب الكبير والمريض يجب عليه الحد، برقم ٢٥٧٤، وأحمد، حديث سعيد بن سعد بن عبادة، برقم ٢١٩٣٥. وقد اختلف في إسناد هذا الحديث، والصواب فيه أنه من رواية أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. انظر: العلل، للدارقطني ١٢/ ٢٧٦ - ٢٧٧، السنن الكبرى، للبيهقي ٨/ ٤٠١.

<<  <   >  >>