للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس، فهذا باطل بلا خلاف؛ لأنه ليس ببيع لفظي، ولا معاطاة، ولا يعد بيعًا؛ فهو باطل ولنعلم هذا ولنحترز منه، ولا نغتر بكثرة من يفعله، فإن كثيرًا من الناس يأخذ الحوائج من البياع مرة بعد مرة من غير مبايعة، ولا معاطاة ثم بعد مدة يحاسبه ويعطيه العوض وهذا باطل بلا خلاف" (١).

الوجه الثاني: أن الأشياء التي يأخذها الناس من البائع، والتي ذكرها ابن تيمية؛ كالخبز، واللحم، والفاكهة، لا تدل على جواز البيع مع الجهل بالثمن مطلقًا، إنما تدل على أن هذه الأشياء مما يُتسامح فيها؛ لأن أسعارها لا تتفاوت، فليس الغرر فيها مؤثرًا، قال ابن الهمام: "ومما لا يجوز البيع به: البيع بقيمته، أو بما حل به، أو بما تريد … وكذا لا يجوز بمثل ما يبيع الناس إلا أن يكون شيئا لا يتفاوت؛ كالخبز واللحم" (٢).

الدليل الرابع: القياس على النكاح، فكما أن النكاح يجوز دون ذكر المهر، فكذلك البيع من باب أولى؛ لأن الله اشترط العوض في النكاح، ولم يشترطه في إعطاء الأموال (٣).

يناقش: بأن العوض في النكاح ليس مقصودًا، أو هو ليس المقصود الأعظم فيه، يقول ابن تيمية: "إن العوض عما ليس بمال؛ كالصداق، والكتابة، والفدية في الخلع، والصلح عن القصاص، والجزية والصلح مع أهل الحرب، ليس يجب أن يعلم كما يعلم الثمن والأجرة، ولا يقاس على بيع الغرر كل عقد على غرر؛ لأن الأموال إما أن لا تجب في هذه العقود، أو ليست هي المقصود الأعظم فيها، وما ليس هو المقصود إذا وقع فيه غرر لم يفض إلى المفسدة المذكورة في البيع" (٤).


(١) المجموع، للنووي ٩/ ١٦٣ - ١٦٤.
(٢) فتح القدير، لابن الهمام ٦/ ٢٦٠.
(٣) انظر: نظرية العقد، لابن تيمية، ص ١٥٥.
(٤) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية ٤/ ٣٤.

<<  <   >  >>