للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن تعديلها، فإنه يمكن القول إن كل معاملة كانت في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجرى لها تعديلًا، أو نهى عنها وأوجد لها بديلًا، فإن هذا التعديل، وذلك التبديل، يعد هندسة مالية إسلامية لهذه المعاملة، ويصلح دليلًا على مشروعية الهندسة المالية الإسلامية، ومن أمثلة المعاملات التي قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعديلها، أو تبديلها، وتعد مستندًا شرعيًا للهندسة المالية الإسلامية الأمثلة التالية:

المثال الأول: عن ابن عباس -رضي الله عنه-، قال: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " متفق عليه (١).

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وجد من ضمن معاملاتهم المالية عقد السلم، وكان عقد السلم على الطريقة التي يتعامل بها أهل المدينة يشتمل على مصالح ومفاسد؛ فمن المصالح التي يشتمل عليها أن"المشتري يحتاج إلى الاسترباح لنفقة عياله، وهو بالسلم أسهل؛ إذ لا بد من كون المبيع نازلًا عن القيمة، فيربحه المشتري، والبائع قد يكون له حاجة في الحال إلى السلم، وقدرة في المآل على المبيع بسهولة، فتندفع به حاجته الحالية إلى قدرته المآلية" (٢)، ومن المفاسد التي يشتمل عليها الخلاف الذي ينشأ بين المسلمين بسبب عدم العلم بالمقدار الذي تم بيعه، وعدم تحديد أجل التسليم؛ لذلك قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجراء تعديل أو هندسة مالية إسلامية على عقد السلم فاشترط على من أراد التعامل به أن يعلم مقدار المبيع وصفته، وأجل التسليم؛ كي لا يحدث بين المسلمين أي


(١) رواه البخاري، كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم، برقم ٢٢٤٠، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب السلم، برقم ١٦٠٤.
(٢) فتح القدير، لابن الهمام ٧/ ٧١.

<<  <   >  >>