للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلاف بسبب الجهل بالمقدار، أو الأجل، وبهذه الهندسة المالية الإسلامية الجديدة لعقد السلم يحقق عقد السلم مصالحه كاملة، دون حصول أي مفاسد منه بين المتعاقدين به إذا التزموا بما أمرهم به رسول -صلى الله عليه وسلم-.

المثال الثاني: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه (١).

وجه الدلالة من الحديث: أن الرجل الذي استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- على خيبر لما بين للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم يأخذون الصاع من التمر بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، وفي ذلك مفسدة الوقوع في ربا الفضل الذي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه لما يسببه من آثار سلبية على المجتمع (٢)، قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بإيجاد عقد مالي مباح بديلًا عن العقد المالي المحرم، وهذا يعد هندسة مالية إسلامية على هذه المعاملة بأن أرشد الرجل إلى أن يبيع التمر الرديء بالدراهم، ويشتري بالدراهم تمرًا جيدًا، وفي ذلك اجتناب للتعامل بربا الفضل، ودفع للمفاسد التي تحصل من جراء مبادلة الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة من التمر، وقد يكون من مقاصد


(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، برقم ٢٢٠١، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلا بمثل، برقم ١٥٩٢.
(٢) كما جاء في حديث عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ». رواه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، برقم ١٥٨٧.

<<  <   >  >>