للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الهندسة المالية الإسلامية لهذه المعاملة تحقيق مصلحة رواج السلعة في السوق كما قال الدكتور سامي السويلم: "فهو-أي الحديث- دال على منع مبادلة ربوي بجنسه مع التفاضل، والمقصود بذلك والله أعلم، الفصل بين عمليتي بيع التمر الجنيب (الجيد) وبيع التمر الجمع (الرديء) من خلال توسيط السوق، فإذا تحقق الفصل بين هاتين العمليتين تحقق مقصود الشارع، ومن حكم هذا الفصل عدم تركيز القوت الضروري لدى الأقلية، فإن توسيط السوق يستلزم تداول القوت عبر السوق، فيصبح متاحًا للجميع" (١).

المثال الثالث: عن جابر -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ»، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ»، فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ: «مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ». متفق عليه (٢).

وجه الدلالة من الحديث: أن الأصل في البيع أن يتم التسليم مباشرة يدًا بيد، وما سمي البيع بيعًا إلا لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه لصاحبه وقت الأخذ والإعطاء (٣)، إلا أن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- اشترط في هذا البيع ألا يسلم النبي -صلى الله عليه وسلم- الجمل إلا بعد الوصول إلى أهله، وفي ذلك يحقق مصلحة استثناء المنفعة فترة معينة، مع ضمان بيعها، وقد أقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الشرط، ولو كان في هذا الشرط منافاة لمقصود العقد لكان لغوًا،


(١) صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص ٢٣.
(٢) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، برقم ٢٧١٨، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، برقم ٧١٥.
(٣) انظر: المغني، لابن قدامة ٣/ ٤٨٠.

<<  <   >  >>