فوكل به في الوقت من حمله إلى الحاكم؛ فأنصفه منه، وسخط عليه المنصور، وقبض نعمته منه ونفاه.
ومن ذلك، قصة محمد، فصاد المنصور وخادمه وأمينه على نفسه؛ فإن المنصور احتاجه يوما إلى القصد، وكان كثير التعهد له؛ فأنفذ رسوله إلى محمد؛ فألفاه الرسول محبوسا في سجن القاضي محمد بن زرب، لحيف ظهر منه على امرأته، قدر أن سبيله من الخدمة يحميه من العقوبة. فلما عاد الرسول إلى المنصور بقصته، أمر بإخراجه من السجن مع رقيب من رقباء السجن، يلزمه إلى أن يفرغ من عمله، ثم يعيده إلى محبسه. ففعل ذلك على ما رسمه، وذهب القاصد إلى شكوى ما ناله؛ فقطع عليه المنصور، وقال له:(يا محمد، إنه القاضي وهو في عدله، ولو أخذني الحق، ما أطقت الامتناع منه! عد إلى محبسك أو اعترف بالحق؛ فهو الذي يطلقك.) فانكسر الحاجم، وزال عنه ريح العناية. وبلغت قصته للقاضي؛ فصالحه مع زوجه، وزاد القاضي شدة في أحكامه.
ومن دهائه، قال ابن حيان: كان جالسا في بعض الليالي، وكانت ليلة شديدة البرد والريح والمطر؛ فدعا بأحد الفرسان، وقال له (انهض إلى فجّ طليارش، واقم فيه؛ فأوَّل خاطر يخطر عليك، سقه إليَّ.) قال: فنهض الفارس، وبقى في الفج في البرد والريح والمطر واقفا على فرسه، إذ وقف عليه قرب الفجر شيخ هرم على حمار له، ومعه آلة الحطب؛ فقال له الفارس:(إلى أين تذهب، يا شيخ؟) فقال: (وراء حطب.) فقال الفارس في نفسه: (هذا شيخ مسكين نهض إلى الجبل يسوق حطبا. فما عسى أن يريد المنصور منه؟) قال: فتركته. فسار عنّي قليلا؛ ثم فكرت في قول المنصور، وخفت سطوته؛ فنهضت إلى الشيخ، وقت له:(ارجع إلى مولانا المنصور.) فقال: وما عسى أن يريد المنصور من شيخ مثلي؟ سألتك بالله أن تتركني لطلب معيشتي!) فقال له الفارس:(لا أفعل) ثم قدم به على المنصور، ومثله بين يديه، وهو جالس، لم ينم ليلته تلك. فقال المنصور للصقالبة:(فتشوه!) ففتش؛