فلم يوجد عنده شئ؛ فقال:(فتشوا برذعة حماره!) فوجدوا داخلها كتابا من نصارى كانوا قد نزعوا إلى المنصور، يحزمون عنده إلى أصحابهم من النصارى ليقبلوا ويضربوا في إحدى النواحي المعلومة. فلما انبلج الصبح، أمر بإخراج أولئك النصارى إلى باب الزاهرة؛ فضربت أعناقهم، وضربت رقبة الشيخ معهم.
ومن ذلك قصة الجوهري التاجر؛ وذلك أن رجلا جوهريا من تجار المشرق قصد المنصور من مدينة عدن بجوهر كثير، وأحجار نفيسة؛ فأخذ المنصور من ذلك ما استحسنه، ودفع إلى الجوهري التاجر صرته، وكانت قطعة يمانية. فأخذ التاجر في انصرافه طريق الرملة على شط النهر؛ فلما توسطها، واليوم قائظ، وعرقه منصبٌّ، دعته نفسه إلى التبرد في النهر؛ فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط؛ فمرت حداة، فاختطفت الصرَّة، تجسبها لحما، وصاعدت في الأفق بها ذاهبة؛ فقطعت الأفق الذي تنظر إليه عين التاجر؛ فقامت قيامته، وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بعدوى ولا بحيلة؛ فأسر الحزن في نفسه، ولحقته لأجل ذلك على اضطرب فيها. وحضر الدفع إلى التجار؛ فحضر الرجل لذلك بنفسه؛ فاستبان له ما به من المهانة والكأبة، وفقد ما كان عنده من النشاط وشدة العارضة. فسأله المنصور عن شأنه؛ فأعلمه بقصته؛ فقال له:(هلا أتيت إلينا بحدثان وقوع الأمر؟ فكنا نستظهر على الحيلة؛ فهل هديت إلى الناحية التي أخذ الطائر إليها؟) قال: (مرَّ مشرفا على يمت هذا الجنان الذي يلي قصرك!) يعني الرملة؛ فدعا المنصور شرطيه الخاص به؛ فقال له:(جئني بمشيخة أهل الرملة الساعة) ؛ فمضى، وجاء بهم سريعا؛ فأمرهم بالبحث عمن غير حال الإقلاق منهم سريعا، وانتقل عن الإضافة دون تدريج؛ فتناظروا في ذلك، ثم قالوا: (يا مولانا! ما نعلم إلا لأجل من ضعفائنا كان يعمل هو وأولاده بأيديهم، ويتناولون السقىَ بأقدامهم عجزا عن شراء دابة؛ فابتاع