للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

واختار في المقاصد (١) مذهب القدماء فإنه جعل متعلّق الإذعان النسبة لا وقوعها أو لا وقوعها، وإلا لقال: إن كان إذعانا لوقوع النسبة أو لا وقوعها. والثاني في ماهيته: ذهب الحكماء وجمهور المحققين إلى أن التصديق هو الحكم فقط وذهب الإمام الرازي: إلى انه مجموع التصورات الثلاثة والحكم، وقال: إن لنا تصوّرا إذا حكم عليه بنفي أو إثبات كان المجموع تصديقا، وفرق ما بينهما كما بين البسيط والمركب، وقد اختار في شرح المقاصد مذهب الحكماء حيث جعل التصديق نفس الإذعان والحكم دون المجموع المركب منه ومن التصورات.

وقيل: الحق ما ذهب اليه الحكماء لأن المقصود من تقسيم العلم إلى التصور والتصديق، بيان أنّ كلا منهما موصل على حدة، وطريق يختص به ليحصل المقصود الأعظم منه، وهو بيان الاحتياج إلى جميع أجزاء المنطق، وهو القواعد المتعلقة بالقول الشارح الموصلة إلى التصور. والقواعد المتعلقة بالقضايا الموصلة إلى التصديق وتصوّر المحكوم عليه، وتصور المحكوم به، وتصور النسبة الحكمية تشارك سائر التصورات في الاستحصال بالقول الشارح.

فلو قيل: التصديق عبارة عن مجموع التصورات الثلاثة والحكم لم يحصل المقصود وهو الامتياز في الطرق لأن هذا المجموع ليس له طريق خاص.

وأصحّ الحدود عند المحققين من الحكماء وبعض المتكلمين هو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل سواء كانت تلك الصورة العلمية عين ماهية المعلوم كما في العلم الحضوري الانطباعي (٢) أو غيرها كما في العلم الحصولي.

وكانت مرتسمة في ذات العلم كما في علم النفس بالكليات أو في القوى الجسمانية كما في علم النفس بالماديات، وسواء كانت عين ذات العالم كما في علم الباري تعالى فإنه عين ذاته المقدسة. المنكشفة بذاته على ذاته لأن مدار العلم على التجرّد فهو علم وعالم ومعلوم.

والتغاير اعتباري، وذلك أن العلم عبارة عن الحقيقة المجرّدة عن الغواشي الجسمانية وإذا كانت هذه الحقيقة مجرّدة فهو علم، وإذا كانت هذه الحقيقة المجرّدة حاضرة لديه غير مستورة عنه فهو عالم، وإذا كانت هذه الحقيقة المجرّدة لا تحصل إلاّ به فهو معلوم. فالعبارات مختلفة وإلاّ فالكل بالنسبة إلى ذاته واحدة، هذا إذا كانت عين ذات العالم. وأما إذا كانت غير ذات العالم فكما في علمه تعالى بسلسلة الممكنات فإنها حاضرة بذاتها عنده تعالى فعلمها بها


(١) أي «المقاصد في علم الكلام» للسعد التفتازاني، راجع الصفحة (٤٥) الحاشية.
(٢) العلم الانطباعي هو حصول العلم بالشيء دون حصول صورته في الذهن ولذلك يسمى علما حصوليا. الجرجاني، التعريفات، ص ١٥٦.

<<  <   >  >>