للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجه القبول والاعتقاد الجازم. واحترز به عن التخيّل والشك والوهم فإن كلا منهما وإن كان إدراكا للنسبة لكنها خالية عن الحكم لأنها ليست على وجه الإذعان والاعتقاد بل على سبيل التخيّل والتجوّز، فهي من التصورات للنسبة التامة الخبرية المسماة بالنسبة الحكمية التي تتصور بين الموضوع والمحمول إيجابية كانت كالاعتقاد: بأن زيدا قائم، أو سلبية كالاعتقاد: بأن زيدا ليس بقائم. فتصديق وإدراك النسبة على الوجه المذكور هو الحكم، وهو إسناد أمر إلى آخر ايجابا أو سلبا، وبعبارة أخرى هو إيقاع النسبة الحكمية أو انتزاعها، ويقال للإيقاع: إيجاب وإثبات. وللانتزاع: سلب ونفي. والنسبة الحكمية هي ثبوت شئ لشيء كثبوت القيام لزيد في قولنا: زيد قائم. أو ثبوت شيء مع شيء على وجه الاستصحاب كثبوت النهار مع طلوع الشمس في قولنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. أو ثبوت مباينة شيء لشيء على وجه الانفصال، كانفصال هذا العدد زوج عن قولنا هذا العدد فرد في قولنا: إما أن يكون هذا العدد فردا أو زوجا، ولذلك يسمى بالنسبة الثبوتية.

والإيجابية وهي مفهوم تصوّري وإلاّ أي وإن لم يكن إذعانا للنسبة، سواء كان إدراكا لأمر واحد كتصوّر الإنسان، أو أمور متعددة بلا نسبة، كتصوّر أطراف القضية. أو مع نسبة غير تامة نحو: تصوّر غلام زيد، والحيوان الناطق. أو تامة غير قابلة لتعلق الإذعان كالنسبة الإنشائية نحو: تصوّر أضرب أو قابلة إياه لكن لم يحصل الإذعان بها كما في التخيّل والشك والوهم كما مرّ فتصوّر.

فالتصوّر: ادراك الماهية من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات.

والتصديق: هو أن يحكم عليها بأحدهما. وقد اختلف العلماء فيه من وجهين الأول: في شرائطه. قال المتقدمون: يشترط في وجود التصديق تصوّران تصوّر الموضوع، وتصوّر المحمول.

والتصديق: هو إدراك النسبة التامة التي بينهما، وهي ربط أحدهما بالآخر على وجه الإذعان والتسليم. وقال المتأخرون: يشترط في وجوده ثلاثة تصورات: المذكوران، وتصور النسبة التي بينهما. والتصديق هو إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة. قلت: وهذه من تدقيقاتهم الدقيقة فإن في صورة الشك قد تصوّر النسبة بدون الحكم، إذ ما لم يتصور النسبة، لا يحصل الشك، فإن المتشكك في النسبة الحكمية متردّد بين وقوعها وبين لا وقوعها فقد حصل له ادراك النسبة قطعا، ولم يحصل له الإدراك المسمى بالحكم وعند ارتفاع الشك ينضم إلى الإدراكات الحاصلة إدراك آخر كما يشهد به الوجدان، لا أنه يزول إدراك ويحصل إدراك آخر بدله.

<<  <   >  >>