ثم إن الأشاعرة مع قولهم بهذا وتقريرهم له أثبتوا لله الصفات السبع، فوجدوا أن هذه الصفات- ما عدا صفة الحياة- يلزم من إثباتها حلول الحوادث بالله، لأنه مع وجود المخلوقات توجد معلومات ومرادات ومسموعات ومبصرات، ومقدرات، وكذا إذا كلم بعض رسله أو أوحى اليهم، وصلة هذه بالله تعالى
يلزم منها ما يسمونه بحلول الحوادث بالله تعالى، لأن علم الله بالشيء بعد وجوده ليس هو نفس علمه قبل وجوده، لم يتجدد له فيه نعت ولا صفة، وإلا صار
جهلا، وهكذا بقية الصفات.
فالأشاعرة حلوا هذه المعضلة- بزعمهم- بأن قالوا بأزلية هذه الصفات، وأنها لازمة لذات الله أزلا وأبدا، وقالوا إنه لا يتجدد لله عند وجود هذه الموجودات نعت ولا صفة، وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم فقط.
وهؤلاء قد خالفوا المعقول والمنقول، لأن العلم بالشيء بعد وجوده ليس كالعلم به قبل وجوده، وقد ذكر الله تعالى علمه بما يكون في بضعة عشر موضعا، مع أنه تعالى قد أخبر أن علمه قد أحاط بكل شيء قبل كونه.
ونضرب أمثلة لمناقشات شيخ الإسلام لهؤلاء في هذه المسألة، في صفة العلم، والإرادة، والسمع والبصر، أما صفة الكلام وهي أوضحها في هذا الباب فسيأتي لها مبحث مستقل إن شاء الله.
أ- صفة "العلم"(١) .
يقول شيخ الإسلام موضحا الخلاف في علم الله وتعلقه بالمستقبل: "الناس المنتسبون إلى الإسلام في علم الله باعتبار تعلقه بالمستقبل على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يعلم المستقبلات بعلم قديم لازم لذاته، ولا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة، وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم،
(١) الأدلة النقلية على إثبات صفة العلم كثيرة، أما أدلة العقل فقد قررها شيخ الإسلام بعدة طرق، انظر: درء التعارض (١٠/١١٣-١٢٦) ، وشرح الأصفهانية (ص: ٢٤-٢٦) - ت مخلوف-.