للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: منع المقدمة الثانية، وهي أن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، فهؤلاء قالوا: "لا محذور في هذا، وإنما المحذور في أن لا يعلم الشيء حتى يكون، فإن هذا يستلزم أنه لم يكن عالما، وأنه أحدث بلا علم، وهذا قول باطل" (١) ، وهذا قول هشام بن الحكم وابن كرام والرازي وطوائف غير هؤلاء.

ومما سبق يتبين حقيقة الخلاف، وعلاقته بمسألة حلول الحوادث التي جعل الأشاعرة منعها أحد أصولهم التي لا يتنازلون عنها، ومما سبق أيضا يتبين المذهب الحق في ذلك، وأن الله يعلم الشيء كائنا بعد وجوده مع علمه السابق به قبل وجوده، وأن علمه الثاني والأول ليس واحدا، وهذا هو الذي دل عليه القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ" [البقرة: ١٤٣] وقوله: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ" [آل عمران: ١٤٢] ، وقوله: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ" [آل عمران: ١٤٠] ، وقوله: "وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"- إلى قولهـ "وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ [العنكبوت: ٣-١١] وقوله: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" [محمد: ٣١] ، وغيرها.

يقول شيخ الإسلام حول هذه الآيات: "وعامة من يستشكل الآيات الواردة في هذا المعنى، كقوله: "إلَّا لِنَعْلَمَ" و "حَتَّى نَعْلَمَ"، يتوهم أن هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون، وهذا جهل؛ فإن القرآن قد أخبر بأنه يعلم ما سيكون في غر موضع، بل أبلغ من ذلك أنه قدر مقادير الخلائق كلها، وكتب ذلك قبل أن يخلقها، فقد علم ما سيخلفه علما مفصلا، وكتب ذلك،


(١) الرد على المنطقيين (ص: ٤٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>