للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبر بما أخبر به من ذلك قبل أن يكون، وقد أخبر بعلمه المتقدم على وجوه، ثم لما خلقه علمه كائنا مع علمه الذي تقدم أنه سيكون، فهذا هو الكمال، وبذلك

جاء القرآن في غير موضع، بل وإثبات رؤية الرب له بعد وجوده، كما قال تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: ١٠٥] ، فأخبر

أنه سيرى أعمالهم ... " (١) .

ثم ذكر شيخ الإسلام أقوال المفسرين في قوله "إِلَّا لِنَعْلَمَ" [البقرة: ١٤٣] فقال: " وروى عن ابن عباس في قوله: "إِلَّا لِنَعْلَمَ" أي لنرى، وروى لنميز وهكذا قال عامة المفسرين: إلا لنرى ونميز، وكذلك قال جماعة من أهل العلم، قالوا: لنعلمه موجودا واقعا بعد أن كان قد علم أنه سيكون (٢) ، ولفظ بعضهم قال: العلم على منزلتين: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به بعد وجوده، والحكم للعلم به بعد وجوده لأنه يوجب الثواب والعقاب، قال فمعنى قوله "إِلَّا لِنَعْلَمَ" أي لنعلم العلم الذي يستحق به العامل الثواب والعقاب، ولا ريب أنه كان عالما سبحانه بأنه سيكون، لكن لم يكن المعلوم قد وجد، وهذا كقوله: "قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ" [يونس: ١٨] ، أي بما لم يوجد، فإنه لو وجد لعلمه، فعلمه بأنه موجود ووجوده متلازمان، يلزم من ثبوث أحدهما ثبرقه الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه" (٣) .

فالعقل والقرآن يدلان على أن علمه تعالى بالشيء بعد فعله قدر زائد عن العلم الأول (٤) . وتسمية ذلك تغيرا أو حلولا لا يمنع من القول به ما دام دالا على الكمال لله تعالى من غير نقص، وما دامت أدلة الكتابه والسنة تعضده.


(١) الرد على المنطقيين (ص: ٤٦٤-٤٦٥!.
(٢) انظر: تفسير هذه الآية- البقرة: ١٤٣- في الطبري، والبغوي، والخازن، والدر المنثور.
(٣) الرد على المنطقيين (ص: ٤٦٦-٤٦٧) .
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (١٦/٣٠٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>