للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبداهة العقل، لأن سلب النقيضين- كجمعهما- ممتنع.

الثانية: أن القائلين بقدم العالم من الفلاسفة، الذين يوجبون مقارنة العلة للمعلول، فيقولون: إن المعلول- الذي هو المخلوقات- مقارن للعلة- وهي اللهـ فيكون أزليا معه، لما قيل لهم: إن هذا مما يعلم فساده بضرورة العقل، لأن إلمفعول لا يكون مقارنا للفاعل في الزمان، فأجابوا بأن هذا ممكن، وأن تقدم العلة على المعلول تقدما عقليا لازما، ومثلوا لذلك بتقدم حركة اليد على حركة الخاتم الذي فيها، وتقدم الشمس على الشعاع، ثم إنهم احتجوا على جواز ذلك بما يقوله مثبتو الأحوال، حيث إنهم يقولون: العلم علة كون العالم عالما، فكأنهم ألقوا كون العلة والمعلول متلازمين مقترنين، فلا يستنكر هذا هنا.

وقد رد شيخ الإسلام على الفلاسفة في قولهم: إن المعلول يقارن علته في الزمان، وبين خطأهم، وخطأ الفقهاء الذين تابعوهم في ذلك (١) ، ثم قال عن احتجاجهم بقوك أهل الأحوال: " وما ذكروه من اقتران العلة العقلية لمعلولها، كالعلم والعالمية، فجوابه أنه عند جاهير العقلاء ليس هنا علة ومعلول، بل العلم هو العالمية، وهذا مذهب جمهور نظار أهل السنة والبدعة، وهي نفي الأحوال، فلا علة ولا معلول، وإن جعلت المعلول الحكم بكونه عالما، والخبر عنه بكونه عالما، فهذا قد يتأخر عن العلم، وعلى قول من أثبت الحال هو يقول: إنها ليست موجودة ولا معدومة، فليست نظير المعلولات الوجودية. وأيضا فهؤلاء يقولون: إن العالم [ليس فاعل العالمية (٢) ] ولا هو جاعل العالمية، ولا هذا عنده من باب تأثير الوجود والأسباب والعلل، فإن كونه عالما لازم للعلم بما يلزم العلم أنه عالم، ليس هذا مثل كون قطع الرقبة سببا للموت، ولا كون الأكل سببا للشبع، من الأسباب التي خلقها الله ... " (٣) .


(١) انظر: تفصيل ذلك في الرد على المنطقيين (ص: ٣٧٨- ٣٨١) .
(٢) في المطبوعة من الرد على المنطقيين [أن العالم فاعل للعالمية] ولعل صحة العبارة ما أثبته.
(٣) الرد على المنطقيين (ص: ٣٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>