للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا وصف نفسه بأنه حي عليم سميع بصير قدير، لم يلزم أن يكون مماثلاً لخلقه، إذ كان بعدها عن مماثلة خلقه أعظم من بعد مماثلة كل مخلوق لكل مخلوق ... " (١) .

وهذا المثل واضح جدا، مبين للمسألة، وقد وفق شيخ الإسلام في عرضه وشرحه، وهو مما يسلم به مؤولة الصفات، لأنهم يثبتون البعث والجنة والنار، وقد سبق في موضوع تسلط الفلاسفة والقرامطة على المتكلمين بيان أن هؤلاء الملاحدة وصموهم بالتناقض لكونهم أولوا نصوص الصفات ولم يؤولوا نصوص المعاد والجنة والنار (٢) ، ومعلوم أن الملاحدة طردوا الأمرين نفيا، وأهل السنة طردوهما إثباتا، وهؤلاء تناقضوا، وشيخ الإسلام حينما يضرب هذا المثل - مثل نعيم الجنة - كأنه يريد أن يقرن بين مسألة دلالة النصوص وأنها واحدة في الصفات والمعاد، - وقد شرحها في عرضه لتسلط الملاحدة - ومسألة ما يفهم من النصوص، وأن نصوص النعيم إذا كانت تفهم لأنها تشبه نعيم الدنيا مع ما بينهما من الاختلاف في الحقيقة والكيفية، فكذلك نصوص الصفات تفهم وتعلم ولا تقتضي موافقتها في الاسم لصفات العباد أن تكون مثلها أو مشابهة لها (٣) .

وكذلك مثل الروح، فإنها "إذا كانت موجودة، حية، عالمة، قادرة، سميعة بصيرة، تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، ونحو لك من الصفات، والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها؛ لأنهم لم يشاهدوا لها نظيرا، والشيء إنما تدرك حقيقته، إما بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره، فإذا كانت الروح متصفة بهذه الصفات مع عدم مماثلتها لما يشاهد من المخلوقات، فالخالق أولى بمباينته لمخلوقاته،


(١) مجموع الفتاوى (٩/٢٩٥-٢٩٦) .
(٢) انظر ما سبق: (ص: ٨٩٦) وما بعدها.
(٣) انظر في شرح هذا المثل - مثل نعيم الجنة - التدمرية (ص: ٤٦-٥٠) - المحققة، والحموية - مجموع الفتاوى (٥/١١٥) ، ومنهاج السنة (٢/١٥٧-١٥٩) - ط جامعة الإمام -، ومجموع الفتاوى (٥/٢٥٧-٢٥٨، ٦/١٢٣-١٢٥، ١١/٤٨٢-٤٨٣) ، وتفسير سورة الإخلاص - مجموع الفتاوى (١٧/٣٢٦) ، والتسعينية (ص: ١٢٢) ، والصفدية (١/٢٨٨-٢٨٩) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (٥/٣٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>